الأشياء المخدرة في جوهرها حرام شرعًا
ما رأي الشريعة الإسلامية فيما إذا كانت الجواهر المخدرة تأخذ حكم الحدود أو التعزيرات، وما نصاب الشهادة والشروط الواجب توافرها في الشاهد بالنسبة لهذا الموضوع؟
إن الجواهر المخدرة -الحشيش وأمثاله- يحرم تناولها باعتبارها تفتر وتخدر وتضر بالعقل وغيره من أعضاء الجسد الإنساني، فحرمتها ليست لذاتها وإنما لآثارها وضررها، وقد اتفق جمهور فقهاء المذاهب الإسلامية على حرمة الحشيش ونحوه، والأصل في هذا التحريم ما رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه بسند صحيح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر».
وذلك لثبوت ضرر كل ذلك في البدن والعقل، كما اتفق الجمهور على أن من أكل شيئا من هذه المواد أو استعمله لغير التداوي النافع طبيا، لا يحد حد شرب الخمر، وإنما يعزر متعاطيها بالعقاب الزاجر له ولأمثاله، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا وصل الحشيش المذاب إلى حد الشدة المطربة، وجب توقيع حد الخمر على من تعاطاه بهذه الصفة كشارب الخمر، كما ذهب ابن تيمية وتبعه ابن القيم من فقهاء مذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى إقامة الحد على متعاطي هذه المخدرات كشارب الخمر باعتبار أنها أشد خبثا وضررا من الخمر، واستحسن الشيعة الإمامية القول بإلحاق المخدرات بالمسكرات في وجوب الحد ثمانين جلدة، وأفتى بعض فقهاء مذهب الإمام أبي حنيفة بالحد أيضًا، ومما تقدم يتضح أن هذا الخلاف قد ثار فيما إذا كانت المخدرات تعتبر بذاتها خمرا يقام الحد على متعاطيها مطلقا، أم أنها تعتبر من قبيل الخمر علة، باعتبار أنها تثبط العقل وتورث الضرر به وبالجسد شأنها في ذلك شأن الخمر أو أشد، ولما كانت الحدود مسماة من الشارع والعقوبات عليها مقدرة كذلك إما بنص في القرآن الكريم أو بقول أو فعل من الرسول صلى الله عليه وسلم كان إيثار القول بدخول تعاطي المخدرات في التعازير هو الأولى والأحوط في العقوبة باعتبار أن الخمر تطلق عادة على الأشربة المسكرة، وإذا دخل تعاطي المخدرات ضمن المنكرات التي يعاقب عليها بالتعزيز كان للسلطة المنوط بها التشريع تقنين ما تراه من عقوبات على الاتجار فيها أو تعاطيها تعزيرا، ومن العقوبات المشروعة عقوبة الجلد باعتبارها أجدى في الردع والزجر، أما عن نصاب الشهادة والشروط الواجب توافرها في الشاهد على جريمة تعاطي المخدرات، فإن جرائم التعازير تثبت بما تثبت به الحقوق، أي بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وبالشهادة على الشهادة وبالقرائن القاطعة، ولا تثبت بالشهرة السائدة أو بالشائعات، ولا تقبل شهادة رجل واحد ولا أي عدد من النسوة منفردات دون رجل معهن في إثبات هذه الجرائم، أما عن الشروط الواجب توافرها في الشاهد فواحدة سواء كانت الشهادة في جرائم الحدود والقصاص أو في جرائم التعازير وهي بإجمال: الذكورة في الحدود بمعنى أنه لا تقبل فيها إلا شهادة الرجال، وبعد هذا يشترط في الشاهد أن يكون أو الشاهدة فيما تجوز فيه شهادة النساء بالغا، عاقلا، قادرا على حفظ وفهم ما وقع بصره عليه أو سمعه مما يشهد به، مأمونا على ما يقوله، لا تلحقه غفلة أو نسيان، وأن يكون ناطقا متكلما، فلا تقبل شهادة الأخرس في قول فقهاء المذهب الحنفي ومذهب أحمد وقول في فقه الإمام الشافعي، وتقبل الإشارة المفهومة من الأخرس وتعتبر شهادة في فقه الإمام مالك وقول في مذهب الإمام الشافعي والزيدية، واختلف الفقهاء كذلك فيما تجوز فيه شهادة الأعمى وإن اتفقت كلمتهم على عدم قبول شهادته فيما يفتقر إلى الرؤية والمعاينة، ويشترط في الشاهد العدالة باتفاق، وإن اختلف الفقهاء في مداها وضوابطها بتفصيلات أوضحها الفقهاء في كتبهم، وإن كان الإمام أبو حنيفة وفقهاء المذهب الظاهري يرون أن العدالة مفترضة في الشاهد حتى يثبت جرحه، بمعنى أنه إذا لم يوجه إلى الشاهد طعن يمس عدالته قبلت شهادته، ويشترط في الشاهد الإسلام باتفاق، ثم اختلف الفقهاء في قبول شهادة غير المسلم على مثله أو على المسلم في الصغر وغيره، وعند الضرورة وعدمها، ويشترط ألا يقوم بالشاهد مانع من موانع قبول شهادته، وهذه الموانع هي القرابة على خلاف في مداها -درجة القرابة المانعة والعداوة- إذ إن جمهور الفقهاء لا يقبلون شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة بين الشاهد والمشهود عليه في أمر من أمور الدنيا، أما العداوة في أمور الدين بسبب اختلافهما دينا أو الفسق فلا يمنع من قبول الشهادة، وهنا تفصيلات للفقهاء واستدلالات يرجع إليها في مواقعها، والتهمة مانع من موانع قبول شهادة الشاهد، وهي أن يكون بين الشاهد والمشهود له ما يبعث على الظن بالمحاباة في الشهادة، أو أن يكون للشاهد مصلحة تعود عليه من أداء الشهادة، ولم يتفق الفقهاء أو يحصروا المواضع التي ترد فيها الشهادة للتهمة، وقد جرى فقه الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والزيدية على رد الشهادة للتهمة واختلفوا في التطبيق على النحو المبين في كتب فقه هذه المذاهب، أما الظاهرية فقد جروا على قاعدتهم في قبول الشهادة ما دام الشاهد عدلا.
لما كان ذلك واتباعا لرأي جمهور الفقهاء كانت جرائم تعاطي المخدرات أو حيازتها داخلا في باب التعازير الشرعية، وكان للسلطة المنوط بها التشريع تحديد العقوبة التي تراها رادعة، وكان نصاب الشهادة على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق أي تثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وكانت الشروط الواجب توافرها في الشاهد بوجه عام هي ما تقدم بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المبادئ:-
1- جمهور فقهاء المذاهب الإسلامية متفق على حرمة الحشيش ونحوه.
2- جرائم تعاطي المخدرات داخلة في باب التعازير الشرعية.
3- للسلطة المنوط بها التشريع على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق.
4- نصاب الشهادة على هذه الجرائم هو نصاب الحقوق.
5- الشروط الواجب توافرها في الشاهد واحدة، سواء كانت الشهادة في جرائم الحدود والقصاص أو في جرائم التعازير.
بتاريخ: 2/1/1982
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 16 س:117 تاريخ النشر في الموقع : 12/12/2017