السواك بعد الصلاة أو عندها
رأيت أحد أساتذة العلم يستاك بعد كل صلاة ركعتين، فسألته عن ذلك فقال لي: ورد في الحديث الصحيح (كل) من يصلي ركعتين بسواك أفضل ممن يصلي ستين ركعة بلا سواك. فقلت له: إني لا أعلم ذلك، إلا أن استعمال المسواك محمود بعد اليقظة من النوم لإزالة قذارة الأسنان ومنع الرائحة الكريهة من الفم. فجئت بهذا ملتمسًا إرشادنا إلخ.
السواك سنة مؤكدة، ووردت أحاديث متعددة باستحبابه عند القيام من النوم وعند الوضوء وعند الصلاة، ومن أصحّها حديث أبي هريرة عند أحمد والشيخين وأصحاب السنن: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» قال النووي: السواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابًا: عند الصلاة، وعند الوضوء، وعند قراءة القرآن، وعند الاستيقاظ من النوم، وعند تغير الفم. وتغيره يكون بأشياء منها: ترك الأكل والشرب، ومنها أكل ما له رائحة كريهة، ومنها طول السكوت وكثرة الكلام. والحديث الذي ذكرتموه رواه الدارقطني في الأفراد عن أم الدرداء بلفظ: «رَكْعَتَانِ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» وابن زنجويه عن عائشة مثله لكنه بلفظ صلاة بدل كعتين، وهو ضعيف وله طرق تقويه، وليس منها ما ذكرتم. والغرض من سنة السواك تنظيف الأسنان وتطييب الفم كما في حديث: «مَا لَكُمْ تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا؟ اسْتَاكُوا» إلخ. والقلح جمع أقلح وهو أصفر الأسنان.
ومن اطلع على كثرة الأحاديث في السواك يكاد يعجب لشدة تأكيدها ويتوهم إذا كان جاهلًا بطبائع البشر وعادات الناس أنها مبالغة ربما كانت غير صحيحة إذ لا حاجة إلى ذلك في هذا الأمر الصغير الواضح، ولكنه إذا فطن مع هذا إلى تقصير الناس في تنظيف أسنانهم وأفواههم حتى المسلمين الذين هم أحق الناس بهذه النظافة، وعلم ما لهذا التقصير من الضرر في الصحة لأنه من أسباب تآكل الأسنان وسرعة سقوطها، وأن هذا سبب لعدم إجادة مضغ الطعام وقلة التلذذ به، وبذلك تقل تغذيته وفائدته، ثم فطن إلى أن مجرد إقناع الناس بأن هذا الشيء نافع لا يحملهم على المواظبة عليه والعناية به حتى يلزموا به بأمر ديني أو يتربوا عليه من الصغر بالإلزام والتعويد، فإنه يفهم سر ذلك الحث والتأكيد[1].
[1] المنار ج7 (1904) ص935-936.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 132 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017