حكم تسمية الطفل المكفول مجهول النسب باسم كافله
يقول السائل: هل يجوز شرعًا تسمية الطفل المكفول مجهول النسب باسم كافله وادعاء بنوته بدعوى أن هذا أصلح له؟
لا يجوز شرعًا تسمية الطفل المكفول باسم كافله بحيث يشترك معه في كامل اسمه؛ لما يحصل بهذا من صورة التبني المنهي عنه شرعًا، قال تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: 5].
ومعلوم أن الصحابي الجليل زيد بن حارثة كان يسمى بـ: "زيد بن محمد" لما تبناه سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلما نزل التحريم عاد اسمه كما كان: "زيد بن حارثة".
والجائز منح الطفل المكفول لقب عائلة كافله؛ بحيث يظهر مطلق الانتماء إلى العائلة، دون التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه؛ حتى لا يدخل ذلك في نطاق التبني المحرم شرعًا، بل إن تلك الإضافة التي تكون في آخر اسم الطفل اليتيم أو مجهول النسب ستكون مثل علقة الولاء التي كانت بين القبائل العربية قديما، وليس في ذلك شيء من التبني المحرم في الشرع، لأن التبني هو إضافة ولد غيره إليه وإقامته مقام ولده في الميراث والنسب والخلوة بنساء الأسرة على أنهن محارمه وغير ذلك مما كان شائعا في الجاهلية وصدر الإسلام، ثم حرمه الإسلام حرصا على عدم اختلاط الأنساب.
وهذه النسبة بالصفة المذكورة جائزة شرعًا، وفي كلام المفسرين إشارة إلى هذا، فقد ذكر العلامة الطاهر بن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[٥]﴾ [الأحزاب: 5]. أن المراد بالولاء في قوله: ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ ولاء المحالفة. (ينظر: التحرير والتنوير [21]/ [263]، ط الدار التونسية للنشر).
وقال العلامة الألوسي: "قوله: ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ أي وأولياؤكم فيه -أي في الدين- فادعوهم بالأخوة والمولوية بتأويلهما بالأخوة والولاية في الدين، وبهذا المعنى قيل لسالم -بعد نزول الآية- مولى حذيفة، وكان قد تبناه قبل، وقيل: ﴿وَمَوَالِيكُمْ﴾ أي بنو أعمامكم، وكأن دعاءهم بذلك لتطييب قلوبهم، ولذا لم يؤمر بدعائهم بأسمائهم فقط".
وقال أيضًا: "وظاهر الآية حرمة تعمد دعوة الإنسان لغير أبيه، ولعل ذلك فيما إذا كانت الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية، وأما إذا لم تكن كذلك كما يقول الكبير للصغير على سبيل التحنن والشفقة: يا ابني -وكثيرا ما يقع ذلك- فالظاهر عدم الحرمة".
وفي حواشي الخفاجي على تفسير البيضاوي: البنوة وإن صح فيها التأويل كالأخوة، لكن نهي عنها بالتشبيه بالكفرة، والنهي للتنزيه، انتهى.
ولعله لم يرد بهذا النهي ما تدل عليه الآية المذكورة؛ فإن ما تدل عليه نهي التحريم عن الدعوة على الوجه الذي كان في الجاهلية. اهـ. (بواسطة: روح المعاني 21/ 148، 149، ط دار إحياء التراث العربي، بيروت).
وقال الإمام ابن كثير في التفسير: "فأما دعوة الغير ابنا على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهي عنه في هذه الآية"، واستدل على ذلك بأدلة، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بني». (تفسير ابن كثير 6/ 377- 378، ط دار طيبة 1420هـ).
وفي السنة النبوية ما يستدل لهذا؛ ففي حديث الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: «دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار فقال: هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا: لا، إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن أخت القوم منهم».
قال المناوي: "قوله: «ابن أخت القوم منهم» لأنه ينسب إلى بعضهم، وهي أمه، فهو متصل بأقربائه في كل ما يجب أن يتصل به، كنصرة ومشورة ومودة وإفشاء سر ومعونة وبر وشفقة وإكرام ونحو ذلك". (ينظر: فيض القدير 1/ 87، 88، ط 2 دار المعرفة، بيروت، سنة 1391هـ).
ففي هذا الحديث بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الابن ينتسب إلى قبيلة أمه وليس هو منها على الحقيقة.
وفي صحيح البخاري: «أن حاطبا بن أبي بلتعة -رضي الله عنه- قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: إني كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم».
قال ابن حجر في شرحه: "قوله: "كنت امرأ من قريش" أي بالحلف؛ لقوله بعد ذلك: "ولم أكن من أنفسهم".
قوله: "كنت امرأ من قريش ولم أكن من أنفسهم" ليس هذا تناقضا بل أراد أنه منهم بمعنى أنه حليفهم، وقد ثبت حديث: "حليف القـوم منهـم". اهـ. (ينظر: فتح الباري 8/ 634، ط دار المعرفة، بيروت).
وفي هذا الحديث ذكر حاطب رضي الله عنه أنه ينتسب إلى قبيلة قريش بالمحالفة مع أنه لا ينتسب إليها في الحقيقة، وما نحن فيه من منح مجهول النسب لقب كافله يتخرج على مثل هذه الصور التي مرت في شرح الآية والأحاديث.
وعلى ذلك جرى عمل السلف وأهل الحديث من غير نكير؛ حيث اشتهرت بينهم النسبة لأقل عارض وأدنى ملابسة، ولو كان ذلك حراما أو مستلزما للتبني المحظور لبادروا إلى إنكاره.
يقول الحافظ السخاوي شارحا لقول الحافظ العراقي في ألفيته: ونسبـوا لعارض كالبدري ... نزل بدرا عقبة بن عمرو "(ونسبوا) أي: المحدثون، بعض الرواة إلى مكان كانت به وقعة، أو إلى بلد، أو قبيلة، أو صنعة، أو صفة، أو ولاء، أو غير ذلك مما ليس ظاهره الذي يسبق إلى الفهم منه مرادا، بل النسبة لذلك (لعارض) عرض، وأمثلة ذلك كثيرة". (ينظر: فتح المغيث بشرح ألفية الحديث 3/ 297، ط 1 دار الكتب العلمية، لبنان، سنة 1403هـ).
ويقول الحافظ السيوطي في "تدريب الراوي": "قد ينسب الراوي إلى نسبة: من مكان، أو وقعة به، أو قبيلة، أو صنعة، وليس الظاهر الذي يسبق إلى الفهم من تلك النسبة مرادا، بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان، أو تلك القبيلة، ونحو ذلك". (ينظر: تدريب الراوي 2/ 340، مكتبة الرياض الحديثة).
فمجرد الانتساب للكافل لا يترتب عليه أي أثر من آثار التبني المحرم شرعًا، وإنما ذلك مثل ما كان في العلماء والرواة المنسوبين إلى غير قبائلهم، فإنه قد أطلقت النسبة في كل منهم بحيث يظن أنه ممن نسب صليبة، أي: من ولد الصلب، فالنسبة إذا خرجت عن كونها لأصل الشخص، فإنها إما أن تكون:
1- للعتق، وهي الأغلب، مثل: أبي البختري الطائي التابعي، واسمه سعيد بن فيروز، هو مولى طيء، لأن سيده كان من طيء فأعتقه.
2- أو لولاء الحلف الذي أصله المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، مثل: الإمام مالك بن أنس الأصبحي التيمي، فهو أصبحي صليبة، تيمي بولاء الحلف، وذلك لأن قومه "أصبح" موال لتيم قريش بالحلف. وقد أبطل الإسلام من حلف الولاء ما كان في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل أو الغارات دون نصر المظلوم وصلة الأرحام.
3- أو لولاء المصاحبة بإجارة أو تعلم، مثل: مقسم، قيل له: مولى ابن عباس لملازمته له، أو كمالك بن أنس أيضًا؛ فإنه قيل: إنما انتسب لتيم لكون جده مالك بن أبي عامر كان أجيرا لطلحة بن عبيد الله حين كان طلحة يختلف في التجارة.
4- أو للاسترضاع، كعبد الله بن السعدي الصحابي، فقد قال ابن عبد البر في الاستيعاب: إنه إنما قيل لأبيه السعدي لكونه استرضع له في بني سعد بن بكر.
5- أو لولاء الدين والإسلام، مثل: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، لأن جده المغيرة كان مجوسيا فأسلم على يد اليمان بن أخنس الجعفي، فنسب إليه.
6- أو للديوان، بمعنى أنه أدرج اسمه في أحد الدواوين فنسب إلى أصحاب هذا الديوان، كالليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، فنسب إلى فهم؛ لأن اسمه في ديوان مصر في موالي كنانة بن فهم، وأهل بيته يقولون: نحن من الفرس من أهل أصبهان، أي: أن أصله من أصبهان لكنه ينسب إلى فهم لأن اسمه في ديوان فهم. (ينظر: تاريخ دمشق 50/ 347، ط 1 دار الفكر، بيروت، سنة 1419هـ).
ونسبة الإنسان إلى غير قبيلته أمر شائع وواقع، شهدت به الكتب؛ فقد ذكر ابن الصلاح في مقدمته أن هناك من الرجال ممن نسبوا إلى غير آبائهم، فمنهم من نسب إلى أمه، كشرحبيل ابن حسنة، وهي أمه، ومنهم من نسب إلى جدته، كيعلى ابن منية الصحابي، ومنهم من نسب إلى جده، كأبي عبيدة بن الجراح، ومنهم من نسب إلى رجل غير أبيه هو منه بسبب كالمقداد بن الأسود، فهو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي وكان في حجر الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه.
وهناك من نسبوا إلى ما باطنه على خلاف ظاهره الذي يسبق إلى الفهم، كأبي مسعود البدري عقبة بن عمرو فإنه لم يشهدا بدرا في قول الأكثر، ولكنه نزل بها فنسب إليها. (مقدمة ابن الصلاح صـ629 وما بعدها، ط دار المعارف).
فهذه أمثلة واقعية تدل على وقوع نسبة الإنسان إلى غير أبيه لا قبيلته فحسب، طالما أن هذا لا يندرج تحت المحذور الشرعي، وهو التبني وما يترتب عليه من آثار، وأبعد من ذلك ما جاء في نسبة الإنسان إلى المكان الذي نزل فيه لمجرد نزوله، كما في مثال أبي مسعود البدري.
وربما توسع في النسبة حيث ينسب للقبيلة من يكون مولى لمولى لها، نحو: سعيد بن يسار أبي الحباب الهاشمي، فإنه لكونه مولى شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسب لبني هاشم. (ينظر: فتح المغيث 3/ 393).
فالنسبة لغير الأصل في الأمثلة السابقة لا يترتب عليها المحذورات الشرعية التي في التبني، وكذلك الحال في نسبة الطفل إلى كافله؛ لأن المقصود من هذه النسبة هو مجرد الإضافة في الاسم لا في الحقيقة.
وعلى هذا: فتسمية الطفل مجهول النسب باسم كافله غير جائزة شرعًا؛ لما تتضمنه من صورة التبني المحرم شرعًا، أما منح الطفل المكفول لقب عائلة كافله من باب النسبة فهو جائز شرعًا؛ لما سبق ذكره من الأدلة، بحيث يظهر مطلق الانتماء إلى العائلة دون التدليس بادعاء البنوة الصلبية.
وهذه النسبة تحقق مصلحة الطفل -وخاصة عندما يكون مجهول النسب- في مراحله العمرية المختلفة؛ لأن ذلك سيضيف إلى حياته كثيرا من الأمان والاستقرار والأمل، ولأنه في هذه الحالة سيكون له من يقوم مقام الأب والأم أمام الناس في مراحله العمرية المختلفة، مع الاحتفاظ بالحكم الشرعي بحرمة التبني؛ لما يترتب عليه من آثار سلبية، فنحن بذلك قد راعينا مقاصد الشرع ولم نقع في شيء مما حذرنا منه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المبادئ:-
1- لا يجوز شرعًا تسمية الطفل المكفول باسم كافله بحيث يشترك معه في كامل اسمه؛ لما يحصل بهذا من صورة التبني المنهي عنه شرعًا.
2- منح الطفل المكفول لقب عائلة كافله؛ بحيث يظهر مطلق الانتماء إلى العائلة، دون التدليس بأنه ابنه أو ابنته من صلبه؛ حتى لا يدخل ذلك في نطاق التبني المحرم شرعًا.
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 310 لسنة 2010 تاريخ النشر في الموقع : 15/12/2017