حكم أواني الفضة وزكاتها
أرجو التفضل ببيان حكم الأواني الفضية في الشرع من حيث استعمالها، هل هو محظور أو مباح؟ وهل تجب الزكاة عنها؟ وما هو نصابها الكامل؟ وما مقدار الواجب عنه؟
أما الاستعمال، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة النهي عن الأكل والشرب في آنيتها[1]، فحمل ذلك بعض العلماء على الكراهة وجماهيرهم على التحريم، وخصه أهل الظاهر بمورد النهي، وقاس عليه غيرهم سائر أنواع الاستعمال[2] والذي أعتقده الوقوف عند النص.
وأما الزكاة عن آنية الفضة ومثلها الذهب، فقد قال بها الجماهير: وإن كانت الزكاة المعهودة فيما يزكو وينمو بالعمل كالنقدين والأنعام السائمة وغلة الأرض. ولعل الأصل في ذلك ما رووه في الحلي وأخذ به الحنفية مطلقًا. وقال الشافعية: إنما الزكاة فيما حرم استعماله من الحلي، وأعلّ البيهقي ما روي في زكاة الحلي بما لا محل لذكره ولا لما قيل في الجواب عنه، والمعتمد عندي ما قاله الترمذي من أنه لم يصح في هذا الباب شيء. وفي نص القرآن: أن الزكاة فيما يكنز من الذهب والفضة، وهو ما يجمع بعضه فوق بعض، زاد بعضهم: وكان مخزونًا، هذا معناه في اللغة وهو بمعنى الفاضل عن النفقة. واصطلح أكثر الفقهاء على جعله بمعنى ما وجبت فيه الزكاة فلم تؤدَّ، والمتبادر أن المراد به النقود المضروبة لأنها هي التي تكنز وتنفق دون الحلي والأواني.
وفي حديث علي مرفوعًا: «قَدْ عَفَوْت لكم عَنْ صَدَقَة الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ، فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِئَةٍ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِئَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وذكر الترمذي أنه روي من طريق عاصم بن ضمرة وطريق الحارث الأعور عنه، وقال: سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: كلاهما عندي صحيح. والرقة: هي الدراهم المضروبة. وقد أيد القائلون: ليس في الحلي المباح زكاة قولهم بالقياس. قال في حاشية المقنع وقد تكلم عن روايتين في المذهب: ووجه الأولى ما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليسَ فِي الْحُلِيِّ صَدَقَةٌ»، ولأنه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل من البقر وثياب القنية، والأحاديث التي احتجوا بها لا تتناول محل النزاع لأن الرقة هي الدراهم المضروبة، اهـ. وما ذكره من القياس على العوامل من البقر والثياب ظاهر جدًا. وقد علم السائل أن الذي أعتقده في المسألة أن المحظور من استعمال الذهب والفضة هو ما جاء به النص، وأن ما تجب فيه الزكاة هو ما ورد به النص. وقال بعض العلماء: إن الاحتياط أن يزكي الحلي أي والآنية. وهو ما يوجبه الأكثرون. وعلم أيضًا أن نصاب الفضة مئتا درهم وأن فيها ربع العشر، والله أعلم وأحكم.
[1] المنار ج9 (1906) ص210-211.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 194 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017