الاستعانة بالأنبياء والأولياء
هناك فرقتان: فرقة تقول: إن الاستعانة بالأنبياء والأولياء كفر وشرك مستدلين بالقرآن والسنة، وفرقة تقول: إن الاستعانة بهم حق؛ لأنهم أحباء الله تعالى وعباده المصطفون الأخيار، فأي الفريقين على الحق؟
الاستعانة بغير الله في شفاء مريض أو إنزال غيث أو إطالة عمر وأمثال هذا مما هو من اختصاص الله تعالى نوع من الشرك الأكبر الذي يخرج من فعله من ملة الإِسلام، وكذا الاستعانة بالأموات أو الغائبين عن نظر من استعان بهم من ملائكة أو جن أو إنس في جلب نفع أو دفع ضر نوع من الشرك الأكبر الذي لا يغفر الله إلاَّ لمن تاب منه؛ لأن هذا النوع من الاستعانة قربة وعبادة، وهي لا تجوز إلاَّ لله خالصة لوجهه الكريم، ومن أدلة ذلك ما علَّم الله عباده أن يقولوه في آية: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : 5 ] أي: لا نعبد إلاَّ إياك ولا نستعين إلاَّ بك، وقوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : 23 ] وقوله: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [ البينة : 5 ] الآية، وقوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [ الجن : 18 ] وما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: « إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله » [1] ، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ : « وحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا » [2] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: « من مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار » [3] ، أما الاستعانة بغير الله فيما كان في حدود الأسباب العادية التي جعلها الله إلى الخلق وأقدرهم على فعلها؛ كالاستعانة بالطبيب في علاج مريض وبغيره، وإطعام جائع، وسقي عطشان، وإعطاء غني مالاً لفقير، وأمثال ذلك فليس بشرك، بل هو من تعاون الخلق في المعاش وتحصيل وسائل الحياة، وهكذا لو استعان بالأحياء الغائبين بالطرق الحسية؛ كالكتابة، والإِبراق، والمكالمة الهاتفية ونحو ذلك. وأما حياة الأنبياء والشهداء وسائر الأولياء فحياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلاَّ الله وليست كالحياة التي كانت لهم في الدنيا، وبهذا يتبين أن الحق مع الفرقة الأولى التي قالت: إن الاستعانة بغير الله على ما تقدم شرك. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
1) انظر الفتوي رقم (3068) باب (الاستغاثة والدعاء).
2) الإمام أحمد (2 / 525) عن أبي هريرة، و (3 / 261) (5 / 228، 234، 236، 238، 242) من حديث معاذ، والبخاري (3 / 216) و (7 / 68، 137، 189) و(8 / 164)، و [مسلم بشرح النووي] (1 / 230).
3) رواه الإمام أحمد (1 / 374، 443، 462، 464)، والإمام البخاري (5 / 153) و(7 / 230)، ورواه مسلم بلفظ: **;من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار** (2 / 92).
فتاوى اللجنة الدائمة
رقم الفتوى: 2251 تاريخ النشر في الموقع : 19/01/2018