• قيام الدين بالدعوة، وحديث: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ»

    الإسلام، كما لا يخفى عليكم، قام بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة لا بالسيف والقوة، كما يعتقد الكثير من أصدقاء الدين الجهلاء، وكيف يجامع هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ، حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوها عَصَمُوا مِنِّي، دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا». فإنه صريح في أن القتال كان للحمل على الدخول تحت لواء الإسلام.
     

    أما كون الإسلام قام بالدعوة لا بالسيف، فهذا قطعي لا ريب فيه. وأما الحديث فقد ورد في مشركي العرب الذين لم تقبل منهم الجزية بعد الإذن بقتالهم، وما أذن للمسلمين بقتالهم إلا بعد أن آذوا النبي ومن معه، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، وقعدوا لهم كل مرصد، ووقفوا في سبيل الدعوة، فلم يكن الإذن إلا للدفاع عن الحق وحماية الدعوة، كما بيناه مرارًا، وليس الغرض من الحديث بيان أصل مشروعية القتال، فإن هذا مبين في الكتاب العزيز بمثل قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [الحج: 39] الآيات. وقوله: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا﴾ [البقرة: 190] الآيات. وإنما الغرض منه بيان أن قول لا إله إلا الله كاف في حقن الدم، وإن لم يكن القائل لها من المشركين معتقدًا، لأن الأمر في ذلك يبنى على الظاهر. وهذا بالنسبة إلى وقت القتال، ولكنه بعد ذلك، يؤمر بالصلاة والزكاة، فإن امتنع عن قبولهما لا يعتد بإسلامه، كما يؤخذ من رواية «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وهو في الصحيحين على غرابته، لأن شعبة تفرد بروايته عن واقد وقد عد من الإشكال فيه أن يكون راويه ابن عمر مع ما علم من محاجة عمر لأبي بكر في قتال مَانِعِي الزكاة، ولم يحتج به عمر، ولا ابنه قاله له. وأجاب ابن حجر عن هذا باحتمال نسيان عبد الله له في ذلك الوقت. ومما يؤيد قولنا أَنَّ الحديث خاص بالمشركين، وإن كان لفظه عامًّا، رواية النسائي له بلفظ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ» وقد علمت أن المراد بيان غاية القتال لا مشروعيته، وأن سبب مشروعيته الدفاع وتأمين الدعوة ومنع الفتنة، لا الإكراه على الدين المنفي بنص القرآن الحكيم[1].

    [1] المنار ج10 (1907) ص287-288.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 223 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة