بعض أحكام الحج
ما الحكمة في الوقوف بعرفة؟ - ما الحكمة بجمع الجمرات من محل مخصوص؟ وما هي حقيقة الرجم؟ وأي شيء يرجمون؟ - هل بئر زمزم صناعية أم طبيعية وما علة تسميتها بهذا الاسم؟
الوقوف بعرفة في معنى الاجتماع لصلاة الجمعة إلا أن جماعته أكبر، وفائدة الاجتماع فيه أعم وأكمل، فإن المسلمين يجتمعون له من كل شعب وقبيل، ويقصدون إليه من كل رجأ من أرجاء الأرض فيتعارفون في موقف يساوي بين الملوك والأمراء، والصعاليك والفقراء؛ إذ يجتمعون بزي واحد على عمل واحد، ويتلقون من إمام المسلمين أو نائبه تعليمًا واحدًا بالخطبة. وأما رمي الجمار فيقصد به التشبه بإبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ إذ كان في تلك المعاهد يبني بيت الله، وينقل الحجارة بنفسه، ويساعده ولده إسماعيل. فإنّ تذكر قيام الرجال العظام بخدمة الدين يحيي شعور الدين في النفوس، ويبعث الهمة للاقتداء بهم. وروح هذا التشبه وسره إظهار العبودية لله تعالى، والامتثال لأمره، واقتفاء أثر رسله في الأمور الدينية التي وضعت لإصلاح النفوس بإحياء شعور الإيمان والتعبد لله. وللرمي أذكار مخصوصة يقصد بها ما ذكره، فتكون الحصيات مع هذه الأذكار كالسبحة في إحصاء الأذكار المأثورة بالعدد المعين، وكانوا في الصدر الأول إذا عدّوا يعدون على نحو الحصا والنوى، والعمدة ما ذكرناه أولًا من معنى التأسي والتعبد. أما بئر زمزم فهي كسائر الآبار، ماء طبيعي وبناء صناعي وفي مائها معادن نافعة إن شاء الله تعالى.
والماء الزمزم: الكثير، وروي أن هاجر أم إسماعيل عليهما السلام هي التي اهتدت إليه عند الحاجة، وأن المَلَك فجَّره لها، والملائكة موكلون بكل شيء، فهم أرواح النظام، ونواميس الأسباب والله أعلم.
وقد كنّا عازمين على أن ننشر في الجزء الماضي أو في هذا الجزء مقالًا مسهبًا في أعمال الحج الظاهرة والباطنة، وفي حكمه وأسراره الروحية والاجتماعية، ولكن الكلام في مسألة الفتاوى العارضة شغلنا عن ذلك، حتى سافر أكثر الحجاج الذين كنا نحب أن نزودهم بما نكتب. ولعلنا إن أمهل الزمان نكتب ذلك في العام القابل إن شاء الله تعالى[1].
[1] المنار ج6 (1903) ص859.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 22 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017