الجواب عن مسألة مخالفي القرآن في الميراث
ما الحكم سيدي في قوم من أهل الهند المسلمين لا يورثون البنات والزوجات جريًا على عادة الهندوس الكفرة، وهي عادة قديمة للمسلمين أيضًا قبل إسلامهم، وقد خيّرهم حاكم البلاد حين ترافعوا إليه في مسألة الميراث المذكورة، بين أن يفصل بينهم بموجب الشريعة الإسلامية، وبين أن يكون الفصل فيها بموجب عادة الكفار مواطنيهم، فقالوا: نختار البقاء على العادة القديمة، ورضوا بعدم توريث البنات والزوجات معًا، وبعضهم البنات فقط، وآخرون لا يورثون الأولاد ذكورًا كانوا أو إناثًا، بل ما يتركه الميت لولد أخته الذكر دون الأنثى مع وجود ولد الصلب، وذلك بحسب عادة بلادهم القديمة، وهم يختلفون في ذلك، فأهل بنجاب لا يورثون البنت والزوجة، وأهل كيزرات يحرمون البنت فقط، وأهل مليبار يحرمون الأولاد مطلقًا وما ترك لابن الأخت. فهل يكفرون بهذا الفعل أم لا؟ بينوا تؤجروا ودمتم.
المدار في التكفير على جحود المجمع عليه، المعلوم من الدين بالضرورة، فإذا كان من ذكرتم يجحدون أحكام الكتاب العزيز، ولا يذعنون لها مع العلم بها، فهم لا يعدون من المسلمين، والجهل بها جملة وتفصيلًا لا يعد عذرًا لمن نشأ بين المسلمين، ومن كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في شاهق جبل فلم يعرف أحكام المسلمين الضرورية، يكون معذورًا كما قالوا حتى يعلم، فإن أذعن وإلا لم يكن مسلمًا وذلك مشهور.
وأما إذا كان هؤلاء يؤمنون بالقرآن ويذعنون له، إلا أن الوارثين شرعًا رضوا باختيارهم أن يأخذ غيرهم ما يستحقونه، وكان الآخذ بغير حق لا يستحل الأخذ إلا بناء على رضا صاحب الحق، لم يظهر وجه للقول بكفرهم، كما يفعل بعض مسلمي القطر المصري وغيرهم من رضاء البنات بترك ميراثهم لإخوتهم، ومن استحل أكل ميراث أخته بدون رضاها، لا يعتد أحد بإسلامه، بل يحكم جميع الفقهاء بردته إن كان مسلمًا قبل ذلك.
ومن الأمور البعيدة التي لا تكاد تعقل أن يتفق قوم من المسلمين على ترك العمل بالنصوص القطعية المنصوصة في كتاب الله وهم مسلمون حقيقة، فالظاهر أن من ذكرتم ليسوا مسلمين إلا بالجنسية، وما سبب ذلك إلا الجهل، فعسى أن يوجد في الهند من الدعاة والمرشدين من يهديهم إلى حقيقة الدين[1].
[1] المنار ج10 (1907) ص366.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 233 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017