حديث: «إنما يُثابُ الناس على قَدْرِ عقولهم»
ما قول سيدي في «إنما يُثابُ الناس على قَدْرِ عقولهم»؟ وحديث: «يأتي على الناس زمان تَعرُجُ فيه العقول»؛ وهل تعرج من العرج أو من العروج؟[1]
لا أذكر أنني رأيت هذا الحديث في دواوين المحدثين بهذا اللفظ، وما أراه إلا من موضوعات المتأخرين، ولكن ورد في معناه حديث عائشة في نوادر الأصول للحكيم الترمذي وهو أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: بأي شيء يتفاضل الناس؟ قال: «بالعقل في الدنيا والآخرة» قالت: قلت: أليس يجزى الناس بأعمالهم؟ قال: «يا عائشة وهل يعمل بطاعة الله إلا من عقل؟ فبقدر عقولهم يعملون وعلى قدر ما يعملون يجزون». وحديث أنس عند الحكيم الترمذي في نوادره أيضًا: «إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر، وإنما يقرب الناس الزلف عقولهم». ورواهما داود ابن المحبر في كتاب العقل وتختلف ألفاظهما عنده وهو نفسه مختلف فيه قيل: هو ثقة، وقال أحمد: لا يدري ما الحديث، وقال الدارقطني فيه: متروك. وقال في كتابه كتاب العقل: وضعه أربعة أولهم ميسرة بن عبد ربه، ثم سرقه منه داود بن المحبر فَرَكَّبَهُ بأسانيدَ غير أسانيد مَيْسَرة إلخ ما قال. أما سند حديث أنس في النوادر ففيه جهالة، وأما سند حديث عائشة عنده فحسبك أن في إسناده ميسرة بن عبد ربه الفارسي البصري، قال ابن حبان: كان يروي الموضوعات عن الأثبات، وهو واضع أحاديث فضائل القرآن، وقال أبو داود: أقر بوضع الحديث. فعلى هذا لا حاجة إلى الجمع بين الحديثين فأحدهما ضعيف والآخر موضوع، ولو فرضنا أنهما صحا فما قاله ابن الأثير في تفسير الأول كاف في منع التعارض. حديث عرج العقول[2] حديث: «يأتي على الناس زمان تَعرُجُ فيه العقول» موضوع أيضًا.
[1] المنار ج14 (1911) ص823-824.
[2] المنار ج14 (1911) ص824.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 409 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017