تلاوة القرآن بالألحان
يقول الأساتذة الأزهريون (نشيد الأشعار بتلك الألحان المحدثة والنغمات المطربة، فهو حرام لا يفعله إلا أهل الفسق والضلال -إلى قولهم- قال الإمام الأذرعي: إني أرجح تحريم النغمات وسماعها لقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» إني أسلم بتحريم النغمات إذا كان يراد منها الأشعار المحدثة والنغمات المطربة، ولكن ما قول سيدي الأستاذ في خطبة الجمعة وتلاوة القرآن الكريم حيث إن الاثنين لا يتلوان إلا بالألحان كما لا يخفاكم، فهل هذا الفسق والنفاق والكفر يتناول هذين أم لا؟ وإذا كان ذلك فما هو ذنب من حضره -أعني السامع- وما هو إلا متبع ومقلد، كما أن الخطيب في نواحينا وسائر الأقطار الإسلامية إلا القليل لا يُدعى خطيبًا إلا إذا كان ذا صوت جميل، وكذلك تالي القرآن الحكيم فما هو قولكم في ذلك؟
قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» رواه البخاري عن أبي هريرة وأحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم من حديث البراء بن عازب وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا». وقد ذهب بعض العلماء إلى أن التغني بالقرآن معناه الاستغناء به عن غيره، وهذا غير صحيح بدليل حديث أبي هريرة المتفق عليه في الصحيحين ومسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ» فأي علاقة (؟) للاستغناء بحسن الصوت. ودليل قول أبي موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره أنه استمع ليلة لقراءته: «لو كنت أعلم أنك تسمعه لحبَّرته لك تحبيرًا». على أن علماء السلف قد اختلفوا في هذه المسألة فأنكر قراءة الألحان بعضهم وعرفها آخرون. وقد أورد حجج الفريقين ابن القيم في زاد المعاد وجمع بينها بأن المنكر هو تكلُّف الألحان الموسيقية، والتطريبات غير الطبيعية، والمعروف هو ما اقتضته الطبيعة من التطريب والتحزين والتشويق إلى ما يشوق إليه، والتنفير مما ينفر منه، وهذا هو الصواب الذي يتفق مع حكمة الشرع ومقصد الدين، أعني الاهتداء بالقرآن وتدبره والاتعاظ به.
ومن شاء التفصيل في ذلك فليراجع كتاب زاد المعاد، وربما ننقله في فرصة أخرى، إذا اقتضته الذكرى. [1]
[1] المنار ج15 (1912) ص29-30.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 428 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017