مكان الجمعة
هل الشرع الذي شرعه لنا رسول الله يرى لنا رخصة في كوننا نصلي الجمعة في الغيط أو في البيت أو في المسجد؟هل ذلك يجزئ أم لا، وما هي التي تجزئ؟[1]
اشترط بعض الفقهاء أن تقام الجمعة في مصر جامع؛ أي: مدينة، ولم يجيزوا إقامتها في القرى بمعناها العرفي أي الضياع أي البُليدات القليلة السكان.
وروي ذلك عن علي كرم الله وجهه مرفوعًا، وقد ضعَّف أحمد رفعه وصحَّح ابن حزم وقفه، وعليه زيد بن علي والباقر والمؤيد بالله من أئمة العِتْرة وأبو حنيفة وأصحابه.
والجمهور يجيزون التجميع في القرى بالمعنى العرفي المذكور، ومن حججهم ما رواه البخاري وأبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه: أول جمعة جُمعت بعد جمعة جمعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بجُواثي من البحرين هذا لفظ البخاري ولفظ أبي داود: بجواثي قرية من قرى البحرين. وزاد أيضًا: (في الإسلام) بعد قوله: أول جمعة جمعت.
قالوا: وصلاة الجمعة في ذلك الوقت مما لا يفعله الصحابة باجتهادهم بل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أي وإن فُرض فعلها باجتهادهم فلا يعقل أن يخفى عليه فإذًا لا يكون إلا بأمره، وهو الراجح أو بإقراره؛ إذ لو أنكره عليهم لتوفرت الدواعي على نقله.
وكتب عمر إلى أهل البحرين: أن جَمِّعُوا حيثما كنتم، وصححه ابن خزيمة عنه.
وروى عبد الرزاق عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يرى أهل المياه بين مكة والمدينة يُجَمِّعُونَ، فلا يعتب عليهم.
أقول: ولا حجة فيما هو آثار عن الصحابة مختلفة والقرية في حديث ابن عباس الذي في معنى المرفوع هو المصر.
ويمكن الجمع بأنها تصح من أهل الضياع والمزارع ولا تجب عليهم، بل على أهل المدن.
ونص حديث علي المشار إليه آنفًا: (لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع).
والقرية والمدينة والمصر والبلد تتوارد على معنى واحد في اللغة، وإن كان بينها فروق دقيقة في موادها، فقد أطلق في القرآن اسم القرية والبلد على مكة، وهي أيضًا مدينة ومصر بلا خلاف، وأطلق اسم القرية في سورة يوسف على مصر[2] وقال علماء اللغة: القَرِية -بالفتح والكسر- المصر الجامع، ولا ندري متى جعل المولدون لفظ القرية اسمًا للبُليدة الصغيرة، وفسر أهل اللغة المصر بالكورة والصقع، والكورة بالمدينة، وقالوا: إن الكورة والخلاف والرستاق والجند واحد، وهو مجموع القرى والمزارع، فكأن المصر البلد الذي يتبعه عدة مزارع وضياع وهو كالبندر في عُرف مصر، وقال الراغب: المصر اسم لكل بلد ممصور أي محدود، يقال: مصرت مصرًا: أي بنيته. والمصر: الحد. اهـ.
وقول الليث إنه عندهم الكورة التي تقام فيها الحدود، ويقسم الفيء والصدقات من غير مؤامرة الخليفة، اصطلاح إسلامي.
واشترط بعض العلماء إقامة الجمعة في مسجد مستدلًا بعمل الناس في الصدر الأول وما بعده، والعمل وحده لا يعدونه دليلًا، وروى أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بالناس في بطن الوادي قبل وصوله إلى المدينة، وصرح ابن القيم بأنه صلاها هنالك في مسجد، والجمهور لا يشترطون المسجد، وثبت عن الصحابة إقامة الجمعة في مصلى العيد خارج البلد.
[1] المنار ج20 (1917) ص106- 107.
[2] ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ [يوسف: 82]
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 542 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017