مطالعة كتب الملل غير الإسلامية
ما هو حكم الله فيمن يطالع الكتب السماوية الأخرى مثل التوراة بقصد الإحاطة خبرًا بما جاء في غير شريعتنا؟ وهل كان النهي عن قراءتها عامًّا؟ إذا سلمنا ذلك تكون الشعوب غير الإسلامية ممتازة على المسلمين بعدم منع أنفسهم إجالة النظر في القرآن الشريف، فيستفيدون مما جاء فيه من الآيات البينات، ويحتجّون به علينا به عند اللزوم، ونحن لا نقدر أن نقابلهم بالمثل؛ لأن كتبهم مغلقة في وجوهنا.
أفيدونا بما علمكم الله من العلم ولكم أجران: أجر المفيد وأجر المصيب.
الأمور بمقاصدها، فمن يطالع كتب الملل بقصد الاستعانة على تأييد الحق وردّ شبهات المعترضين ونحوه وهو مستعد لذلك، فهو عابد لله تعالى بهذه المطالعة، وإذا احتيج إلى ذلك؛ كان فرضًا لازمًا. وما زال علماء الإسلام في القديم والحديث يطلعون على كتب الملل ومقالاتهم، ويردّون بما يستخرجونه منها من الدلائل الإلزامية، وناهيك بمثل ابن حزم وابن تيمية في الغابرين، وبرحمة الله الهندي صاحب إظهار الحق في المتأخرين. أرأيت لو لم يقرأ هذا الرجل كتب اليهود والنصارى، هل كان يقدر على ما قدر عليه من إلزامهم وقهرهم في المناظرة، ومن تأليف كتابه الذي أحبط دعاتَهُم في الهند وغير الهند، أرأيت لو لم يفعل ذلك هو ولا غيره أما كان يأثم هو وجميع أهل العلم، وهم يرون عوام المسلمين تأخذهم الشبهات من كل ناحية ولا يدفعونها عنهم؟ نعم إنه ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم وأحكام دينهم، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مشية الطاووس فنسي مشيته ولم يتعلم مشية الحجل[1].
[1] المنار ج7 (1904) ص262.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 57 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017