• السبيرتو ليس خمرًا

    هل الملحقان الطبيان المذكوران في الجزء الأول للمجلد الرابع والعشرين من المنار يشهدان على دعْوَاكم أن السبيرتو ليس بخمرًا أو على خلاف ذلك كما حقَّقْنَاه سابقًا، وسنزيد التحقيق لاحقًا.
     

    إن الملحقين المذكورين صريحان على إيجازهما وقصورهما في أن السيبرتو يستخرج بالتقطير من المائعات السكرية ومن المواد السكرية والنشوية ومن القصب والخشب، وأنه كان في الابتداء يستخرج من النبيذ ولا يستخرج الآن منه ولا من غيره من الخمور لغلائها ورخص المواد التي يستخرجونه منها، فهو مادة سُمِّيَّة توجد في الخمر وغيرها حتى العجين المختمر، ولم يعدّه أحد من الأشربة الخمرية، ولا سمَّاه خمرًا ولا هو بنفسه مُعَدٌّ للشرب؛ لأنه مُحْرِقٌ، نعم إذا مُزِجَ بغيره من الأشربة على نسبة مخصوصة، يصير ذلك الشراب مسكرًا.

    فالخمر عند الحنفية ومن وافقهم من علماء اللغة هي: عصير العنب إذا اشتدّ وغلا وقذف بالزبد، وما عدا هذا من المسكرات ليس بخمر عندهم، ولا له كل أحكام الخمر. ومقلدة الحنفية هم أكثر مسلمي الهند والترك والصين وما جاور هذه الشعوب.

    ونحن وإن كنا نرجِّح ما عليه سائر علماء الشرع واللغة وهو أن كل شراب مسكر خمر، لم يثبت عندنا أن السبيرتو من الأشربة -ولو ثبت أنه من الأشربة لسميناه خمرًا، على أننا نعتقد أن شربه محرم على كل حال إن أمكن؛ لأنه ضار، بل قاتل.

    ولكننا لا نعتقد أن الخمر نجسة، ولا أن كل ما فيه عنصر من عناصر الخمر من طعام وشراب وداء وصبغ ودهان وطلاء يكون محرم الاستعمال، فصبغة اليود من الأدوية، وطلاء الخشب المسمى «بالبوية»، والعجين المختمر لا يسمى شيء منه خمرًا، لغة ولا عرفًا ولا شرعًا، لا على مذهبنا الذي هو مذهب أهل الأثر وفقهاء الحديث، ولا على مذهب أهل الرأي كالحنفية، ولا في عرف أهل الطب والصيدلة.

    فالخلاف بيننا وبينكم في تسمية السبيرتو خمرًا أو عدم تسميته لفظيٌّ لا شأن له عندنا في المسألة المتنازَع فيها، وهي كون الطلاء المعروف في مصر والشام بالبوية الذي يدهَن به الخشب نجس له أحكام سائر النجاسات من تحريم دهن جدران المساجد وخشبها به، وسائر الأحكام المتعلقة بشروط الصلاة وغيرها -ولا فيما يشبه هذه المسألة من المسائل التي يستعمل فيها السبيرتو وقودًا أو مطهرًا في الجراحة والطب وغير ذلك، مما ليس بشراب متخذ للنشوة والسكر. فالانتفاع به ليس مخالفًا لمنطوق النص في تحريم الخمر ولا لفحواه، ولا يصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة[1].

    [1] المنار ج24 (1923) ص734- 735. ‏

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 633 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات