• الاضطرار إلى الخمريات في الحاجيات والمعالجات

    هل ثبت عندكم أن المسلمين عمومًا والمصرين خصوصًا مضطرون إلى الخمريات في الحاجيات والمعالجات -بَيِّنُوا لنا حقيقة الاضطرار وعموم البلوى والتعامل على ما في كتب الأصول مثل الموافقات وإرشاد الفحول.
     

    قد ثبت عندنا أن المسلمين الذين يعيشون في البلاد التي نعرفها كمصر وسورية والآستانة، لا يستغنون عن الأطباء والجراحين الذين يداوون أمراضهم ويؤاسون جروحهم، وأن جميع الأطباء والجراحين يصفون الأدوية المستحضرة بالسبيرتو أو الداخل في تركيبها ويستعملونه في التطهير من السموم، وما يسمونه ميكروبات الأمراض؛ لأنه قاتل لها.

    ويقولون: إنه ضروريٌّ في بعض ما ذُكِرَ، وحَاجِيٌّ عمت به البلوى في بعض-فتطهير الأيدي والآلات والأواني من بعض السموم والميكروبات الضارة قطعًا لا ظنًّا قد يكون بالسبيرتو، وقد يكون بمحلول السليماني مثلًا، ولكن محلول السليماني لا يصلح لشيء من المعدنيات، وإنما يصلح للزجاج والفخار، والصيادلة يؤيدون الأطباء بجزمهم بأن كثيرًا من الأدوية التي يصفونها، لا يمكن تحضيرها إلا بالسبيرتو -فهو إذًا ضروي في بعض الأشياء وحَاجِيٌّ في بعضٍ آخر. وكذلك الصناعات فهو في بعضها ضروريٌّ، وفي بعضها حاجيٌّ، وفي بعضها كماليٌّ للزينة، وإن شئت قلت تحسينيٌّ، كما هو اصطلاح الشاطبي في الموافقات، والشوكاني في إرشاد الفحول وغيرهما.

    فإن كنتم تعنون بالخمريات ما يدخله السبيرتو الذي سميتوه خمرًا، فإن من القطعي المعلوم عندنا بالضرورة أنه مما عمت به البلوى في الضروريات والحاجيات والتحسينات، التي ترجع إليها أصول الأحكام الشرعية كلها على الوجه الذي شرحه الإمام الشاطبي في الموافقات، وأن في منع الناس منه وتحريمه عليهم حرجًا عظيمًا وقطعًا لمعايش مَن لا يُحْصَى من الناس. ولكن هذه الأشياء التي نقول إنها قد عمت بها البلوى، ليست من الأشربة المسكرة، ولا من ذرائع السُّكْر في شيء، ولا وجه لتسميتها بالخمريات، وسنبين معنى الضرورة والاضطرار وعموم البلوى، في خاتمة هذه الفتوى[1].


    [1] المنار ج24 (1923) ص736- 737. ‏

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 635 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات