• الحكم في سقط القول وسخف اللفظ

    من الجزائر: ما قولكم في كاتب يكتب في الجرائد تحت عنوان «النفخ في الصور» والإمضاء «إسرافيل» هل ينطبق عليه ما ذكر الشيخ (القاضي) عياض في كتاب الشفاء في مفتتح فصل من فصول آخر الكتاب ولفظه: «وأما من تكلم من سقط القول وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه وأهمل لسانه بما يقتضي الاستخفاف بعظمة ربه وجلالة مولاه -أو تمثل في بعض الأشياء ببعض ما عظم الله من ملكوته- إلى أن قال-: وهذا كفر لا مرية فيه» اهـ.

    قلت: أليس التمثيل بالنفخ في الصور وإمضاء إسرافيل عليه السلام بعض ما عظم الله من ملكوته؟ أفيدوا الجواب، ولكم الأجر والثواب، من مُنزل الكتاب، الذي جعله الله حكمًا بين العباد إلى يوم المآب.
     

    إننا لم نطَّلع على شيء مما كتب في بعض جرائد الجزائر بالعنوان والإمضاء المذكورين، فنعلم هل هو صريح فيما أراده القاضي عياض رحمه الله، من الاستخفاف أو الاستهزاء بالله أو بآياته، أو بما عظم أمره من ملكوته بما يدل على ذلك دلالة واضحة.

    وهو قد ناط الحكم بالكفر بقصد الكفر والاستخفاف، أو بالتكرار الدالِّ على ذلك، فإن نص عبارته فيما جزم بأنه كفر «فإن تكرر هذا منه وعُرف به دلّ على تلاعبه بدينه، واستخفافه بحرمة ربه، وجهله بعظيم عزته وكبريائه، وهذا كفر لا مرية فيه. وكذلك إن كان ما أورده يوجب الاستخفاف والنقص لربه» اهـ.

    والمدار في الحكم بالكفر في أمثال هذه الأقوال على دلالتها القطعية على الاستخفاف والاستهزاء، الذي لا يصدر من مؤمن عادة أو قصده ذلك.

    فإذا كان الناس يفهمون من عبارات ذلك الكاتب الاستهزاء بالقيامة وملك الصور استهزاء من لا يؤمن بهما، فلهم أن لا يعاملوه معاملة المؤمنين، ولكن بعد أن ينصحوا له برفق بأن يرجع عن ذلك ويتوب إلى الله منه، وأن يقبلوا قوله إذا قال أنه لا يقصد به ما فهموه من الدلالة على الاستخفاف أو الاستهزاء، ويحتجوا عليه بأن فهمهم ذلك منه كافٍ في وجوب تركه. وإن كان الناس لا يفهمون هذا مما يكتبه بل يفهمون أنه يقصد الوعظ، وبأسلوب مؤثر ينبّه الأذهان فلا وجه للقول بكفره مطلقًا.

    وهنالك صورة ثالثة وهي أن تختلف أفهام الناس فيما ذكر، وحينئذ يتجه أن يكون ما يكتبه معصية لا كفرًا، والغالب على ظني أنه لا يقصد الكفر، ولا يعتقد أن ما يكتبه محظور شرعًا، ولكن يجب عليه والحالة هذه أن يراعي ما يفهم الناس من كلامه، ولا يقف موقف التهمة عند من يستنكر ذلك، وأرجو أن يترك ذلك إذا بلغه هذا وصح حسن ظني فيه، فهذا ما اتجه عندي في مسألة الاستفتاء[1].

    [1] المنار ج26 (1925) ص734.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 672 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات