• وصف كلام الله بالقديم ومن قال أنه مبتدع

    جاء في كتاب تنبيه ذوي الألباب السليمة، من الكتب النجدية صفحة 20: إن لفظ القديم إذا وُصف به كلامه سبحانه وتعالى فهو من الألفاظ المبتدعة حيث قال: فقوله -كلامه سبحانه قديم- هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها. اهـ.

    مع أن علماء الكلام نطقوا بلفظ القديم، فهذه كتبهم بين ظهرانينا مذكورة فيها أقوالهم بأنهم عرفوا ووصفوا كلامه جل وعلا بالقديم، ويعتقدون قدمه.

    وقال الشيخ حسين والي في كتابه كلمة التوحيد صفحة 57: «ويجل مقام أحمد بن حنبل وأضرابه أن يعتقدوا قدم القرآن المقروء» ولا أسيء الظن بهم أنهم يعتقدون شيئًا ويمنعون أن يقولوا به في مثل هذه القضية.

    ومعلوم أن القرآن هو كلام الله.

    قال صاحب الهداية السنية النجدية صفحة 106: (ونعتقد أن القرآن هو كلام الله.. إلخ) وما رأيكم في قول صاحب كتاب التنبيه المذكور؟ هل هو صحيح في عدِّه الواصفين بلفظ القديم من أهل البدع كما يدل عليه مفهوم قوله الآتي، أم لا؟ فإن كان صحيحًا فهل يأثم الواصف به أم لا؟

    قول من قال: إن وصف كلام الله تعالى بالقديم من الألفاظ المبتدعة صحيح، ومثله قول الآخر إن كلام الله تعالى حادث الآحاد قديم النوع، كلاهما لم يرد في كتاب الله تعالى ولا في أقوال رسوله صلى الله عليه وسلم ولا في أقوال الصحابة رضي الله عنهم.

    ولكن ليس كل من يستعمل لفظًا محدثًا يكون من أهل البدع المخالفين لأهل السنة والجماعة، فجميع أئمة الأمصار من مدوني علوم الشرع في الأصول والفروع قد استعملوا ألفاظًا اصطلاحية لم تُستعمل في القرآن ولا في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والذين تصدّوا من أهل السنة للرد على المبتدعة لم يسلموا من استعمال بعض الألفاظ الاصطلاحية المبتدعة، ومنها قولهم: إن كلامه تعالى قديم بقدم ذاته، وهذا من أسباب وقوع الخلاف بين المسلمين في مسألة كلام الله تعالى وكذا غيرها من صفاته، ولم يسلم من ذلك أئمة الحديث والفقه منهم، وقد اشتهر ما وقع من الخلاف في ذلك بين البخاري والذهلي من أئمتهم.

    بل أتباع إمام الأئمة أحمد بن حنبل المنسوبين إلى مذهبه في العقائد والفروع، قد وقع بينهم الخلاف في هذه المسألة.

    فلا يصح أن يقال في كل من استعمل لفظًا محدثًا في ذلك ولا كل من خالف أحمد أو جمهور السلف في مسألة من دقائق هذه المسائل أنه من المبتدعة المخالفين لأهل السنة والجماعة.

    وقد ذكر الحافظ ابن حجر في شرح كتاب التوحيد من البخاري، بعض أقوال أهل السنة من المحدثين واتباع المذاهب الأربعة وأقوال المبتدعة في مسألة القرآن في مواضع وقال بعدها كلمة كررها بعد ذكر الخلاف بينهم وهي: والمحفوظ عن جمهور السلف ترك الخوض في ذلك والتعمق فيه والاقتصار على القول بأن القرآن كلام الله وأنه غير مخلوق، ثم السكوت عما وراء ذلك. اهـ.

    وهذا الذي ينبغي لكل مسلم إلا أن مَن كان في قلبه اضطراب من هذا الخلاف ولم يطمئن بهذا التسليم، فله أن يراجع كلام المحققين الجامعين بين المعقول والمنقول وينظر فيه باستقلال فكر وإخلاص قلب فإنه حينئذ يصل إلى ما يطمئن به قلبه إن شاء الله تعالى.

    وكنت أخرت الجواب عن هذه الأسئلة راجيًا أن أجد وقتًا واسعًا أكتب فيه خلاصة هذا البحث المضطرب الأمواج، ولما أجد الوقت الذي يتسع له، ولكنني سأشرع إن شاء الله تعالى قريبًا في طبع عدة فتاوى في ذلك لشيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية، وأشهد بالله إنني لم أجد في كتب أحد من علماء هذه الملة من أحاط بما أحاط به من حفظ النصوص وأقوال الناس من المحدثين والمتكلمين والفلاسفة والمبتدعة في هذه المسألة وأمثالها، والوقوف على أدلتهم وتمحيصها وتحرير الحق الذي كان عليه سلف الأمة وإقامة الحجة عليه، فلينتظر ذلك السائل وغيره ممن يهمهم تحقيق هذه المباحث وهي ستطبع في كتاب مستقل وربما ننشر بعضها في المنار.

    وأما وصف كلام الله تعالى بالقديم فهو صحيح في نفسه وأثبته علماء السنة وفي المراد منه عند السلفيين وعند غيرهم بحث مفصل في مباحث شيخ الإسلام. [1]

    [1] المنار ج31 (1930) ص 121-122.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 827 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة