• حكم الصلاة خلف من يقول: (إن الرسول خلق من نور)

    دخلت المسجد والإمام يصلي بالناس فرأيت جماعة لا يصلون ينتظرون فراغ الإمام ليصلوا بعد ذلك، فسألتهم لماذا لا تقتدون بالإمام؟ فقالوا: لأنه مبتدع (بيريلوي) يقول: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نور، والنبي بشر مثلنا وليس بنور.

    فهل لهم حق في هذا؟ وهل تجوز الصلاة خلف (البيريلوي) أم لا تجوز؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا.
     

    الصلاة تصح خلف كل بر وفاجر كما جاء الأثر بذلك، والبدعة إذا لم تكن مكفرة لا تمنع صحة الاقتداء، وإن كان الأولى بالإمامة غيره ممن يعرف بالعدالة والفقه، هذا إذا كان الإمام قارئًا، بمعنى أنه يحسن قراء ة الفاتحة.

    أما إذا كان أمّيًّا وهو من لا يحسن قراءتها فإنه لا تصح إمامته بالقرّاء سواء كان عدلًا أو فاسقًا، سنيًا أو مبتدعًا، هذا حكم المسألة من أصلها.

    أما كون هذا الإمام مبتدعًا لكونه (بيريلويا) يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم نور وليس بشرًا فهذه مسألة أخرى، هل تلحقه بالابتداع أو لا تلحقه؟ محل نظر وبحث في المسألة من أساسها، وذلك أن لهذا المعتقد ما يدل عليه في ظاهر كلام الله تعالى وصريح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال الله جل ذكره: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾[المائدة: 15].

    والنور هنا هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب المبين هو القرآن الذي أنزل عليه، كما قال بذلك أهل التأويل وأُثر ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما والأدلة على ذلك من غير ما ذكر كثيرة، فإذا ثبت أن الله تعالى سمى نبيه نورًا فإن من اعتقد ذلك لا يكون قد أتى بما يلحقه بالابتداع، بل اعتقد الحق والصواب وهو الذي يجب اعتقاده فيه صلى الله عليه وسلم، اللهم إلا أن يعتقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هيكل نوراني متجرد عن حقيقته البشرية، فإن ذلك يكون مناقضًا للواقع، فقد قال الله تعالى في حقه صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾[الكهف: 110]، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ﴾[الشورى: 51]، وقال جل شأنه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾[الإسراء: 93]، إلى غير ذلك من الآيات التي تقرر بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نعلم خلافًا في هذه المسألة بين أهل العلم.

    ولذلك كان صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء من قبله يتعرضون للحوادث التي يتعرض لمثلها البشر من مرض وموت ونحو ذلك.

    فمن نفى هذه الحقيقة لا شك أنه يكون مصادمًا للنصوص الشرعية، وعلمًا بأن النصوص الشرعية في نورانية النبي صلى الله عليه وسلم وبشريته لا تعارض بينها، بل الجمع بينها ممكن حيث تحمل نورانيته على المجاز، وبشريته على الحقيقة، فقد قال القاضي عياض: سمي بالنور لوضوح أمره وبيان نبوته وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به. اهـ.

    وقال السيد محمد ابن علوي المالكي حفظه الله ورعاه في كتابه القيّم «الإنسان الكامل» ما نصه: «ويظن بعض الجهلة أن معنى كونه صلى الله عليه وسلم نورًا أي جسمًا مشعًا، وهذا وهم وسوء فهم فكأنه بهذا قد جعله صلى الله عليه وسلم مصباحًا أو سراجا «لمبة كهربائية» وهو صلى الله عليه وسلم أجل وأكرم وأرفع وأعظم من أن يكون كذلك، نعم لا مانع عندنا من أنه صلى الله عليه وسلم قد يظهر منه ضوء محسوس كما يسطع من الأجسام المضيئة المشعة، ولكن هذا لا يكون دائما، وإنما يكون عند الحاجة كمعجزة من معجزاته الخارقة للعادة، وقد ثبت هذا لمن هو أقل منه صلى الله عليه وسلم كما حصل للصحابي الجليل أسيد بن حضير والطفيل ابن عمرو. اهـ.

    أما تسميته بشرًا فواضح لأنه انسان أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، ولكنه يختلف عن البشر من حيث المعنى القائم به وهو النبوة والرسالة، ولذلك نبّه الله إلى ميزته عن سائر البشر بقوله: ﴿يُوحَى إِلَيَّ﴾[الكهف: 110]، فالبشر غير متفاضلين في الإنسانية وإنما يتفاضلون بما يتخصصون به من المعارف الجليلة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر لا كالبشر ونور لا كالنور، ميزه الله تعالى بخلق وخصائص لم تكن لأحد من الخلق سواه، قد يدركها من نوَّر الله قلبه كالصدّيق رضي الله عنه، وأكثر الناس بحقيقة حاله لا يعلمون.

    فمبلغ العلم فيه أنه بشـرٌ ... وأنه خير خلق الله كلِّهمِ

    وقصارى القول أنه لا ينبغي إثارة مثل هذه المسائل أمام الناس، ولا أن تكون سبب فرقة واختلاف، ولا أن يطعن في أصحابها لأجلها.

    وأن الصلاة ينبغي أن تقام خلف الإمام الراتب مهما كان حاله مالم يجاهر بالمعصية، أو كانت بدعته مكفرة، وذلك حفاظًا على جماعة المسلمين من التفرق وهي مأمورة من قبل الحق جل وعلا بالاتفاق وعدم الاختلاف والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

    والله تعالى أعلم.
     

    دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

    رقم الفتوى: 143 تاريخ النشر في الموقع : 06/12/2017

    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة