الأوراق النقدية، نقد تجب فيها الزكاة ويجري فيها الربا
هل تجب الزكاة في العملة سواءً أكانت دولارًا أم غيره، أم لا تجب؟ نرجو ذكر أقوال العلماء والأدلة من الكتاب والسنة.
نعم تجب الزكاة في العملة الورقية أيًا كان نوعها، ما دامت تُمثِّل قيمة نقدية، صالحة للتعامل، حيث غدت تمثل الذهب والفضة التي هي قيم الأشياء، والقيمة ليس في ذاتها، ولكن لما تحمله من معنى اعتباري، نالت من أجله الوثاقة.
وبما أن الذهب والفضة لم تعد عملة نقدية في التعامل المادي فإن العملة الورقية قائمة مقامها في جميع الأحكام، فتجب فيها الزكاة، ويجري فيها الربا، ويصح بها السلم، وتقوّم بها المتلفات، ويكون بها القراض، إلى غير ذلك من الأمور، لأنه لا خلاف بأن العملة الورقية السائدة اليوم في الدول كآفة هي مالٌ تقوم بها الأشياء، ويكون به الاعتياض في كل ما يجري بها، وتشمله عموم الأدلة الواردة في الأموال سواء في ذلك إيجاب الزكاة، أو حرمة الربا، أو الحض على الإنفاق، أو حرمة أكلها بغير حق كما في قوله سبحانه: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾[التوبة: 103]، وقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾[النساء: 29]، وقوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ[٢٤]﴾[المعارج: 24]، وقوله سبحانه: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ﴾[البقرة: 279]، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس في قصة بعث معاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن: «فَإِنْ هُمْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ...» كما أخرجه الشيخان.
إلى غير ذلك من الأدلة التي لا تخفى.
ولا يختلف الناس اليوم بأن من يملك من النقود الورقية فوق حد المسكنة أو الفقر هو غني في عرفهم، حيث يوظفها اليوم بما كان يوظف به الذهب والفضة سابقًا، بل ويقتني بها ذهبًا وفضة وغيرهما فهذا هو عرف الناس اليوم... والعرف في الشـرع له اعتبار ... لذا عليه الحكم قد يدار وبذلك قامت مصالحهم، وما أتت الشريعة إلا بما يحقق المصالح، ويدفع المفاسد، وهذا ما يفهم من عبارات الفقهاء والأئمة المجتهدين.
فقد جاء في المدونة الكبرى 3/90-91 عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه إمام دار الهجرة (وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمُ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً) والكراهة بمعنى الحرمة كما في تبيين المسالك 2/75، وهذا نص جلي في المسألة لا ينبغي بعده الاختلاف، وبمثل ذلك قال كثير من أهل العلم في سائر المذاهب.
فقد نقل الإمام النووي رحمه الله تعالى في المجموع 9/393 عن سائر العلماء أنه لا يتوقف تحريم الربا على الأصناف الستة التي وردت في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، بل يتعداه إلى ما في معناه، وهو ما وجدت فيه العلة التي هي سبب تحريم الربا.
ولا شك بأن العلل هي أعلام نصبها الله تعالى للأحكام، منها متعدية ومنها غير متعدية، يراد منها بيان حكمة النص، لا الاستنباط وإلحاق فرع بأصل، وقد قالوا بأن علة تحريم الذهب والفضة هي أنهما جنس الأثمان.
وهذه العلة وإن كانت قاصرة إلا أن التعليل بها جائز، لأنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به.
كما ذكر ذلك الإمام الماوردي في الحاوي الكبير 5/92 والإمام النووي في المجموع 9/394.
وقد ناقش مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظَّمة المؤتمر الإسلامي هذه المسألة في دورته الخامسة المنعقدة بمكة المكرمة عام 1402هـ وكان مما جاء فيه ما يلي: (يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضّة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة... إلى أن قال: وهذا يقتضي أنه لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب وفضة وغيرهما نسيئة مطلقًا، وأنه يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا إذا كان ذلك يدًا بيد، وأنه تجب فيه الزكاة إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة وأنه يجوز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم والشركات ونحوها).
ولا شك أن مجمع الفقه الإسلامي يمثل رأي صفوة علماء الأمة، وأنه أقرب ما يكون إلى الإجماع، وقد أيد ذلك جماهير علماء المسلمين في كل عصر ومصر، وبه نفتي.
والله تعالى أعلم.
دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي
رقم الفتوى: 221 تاريخ النشر في الموقع : 06/12/2017
تواصل معنا