طهارة الإسبرتو أو الكحول
ما قول السادة العلماء الأعلام في رجل معلم بإحدى المدارس الإسلامية، أفتى التلاميذ بطهارة الإسبرتو، وبجواز المسح على الجورب ولو كان رقيقًا، والصلاة بالنعلين (الحذاء)، وحسر الرأس (كشفه) معتمدًا على ما أفتى به بعض العلماء بجواز ذلك، فما كان من رئيس المدارس إلا أنه عاقبه بالعزل من وظيفته، مدعيا بأن المعلم المذكور خالف علماء المسلمين في هذه الفتوى، فهل هذا المعلم أخطأ ويستحق هذا العقاب أم لا؟[1]
المعلم المذكور في السؤال أصاب فيما قاله للتلاميذ، وأخطأ من عزله بزعمه أنه خالف العلماء؛ فإنه إن خالف بعضهم فقد وافق آخرين لقوة دليلهم، وإنما يؤاخذ من خالف الإجماع الصحيح ولا إجماع فيما ذكر، ونختصر في بيان ذلك؛ لأنه تكرر في المنار فنقول: الإسبرتو طاهر بل مطهر يزيل النجاسات والأقذار التي لا يزيلها الماء وحده إلا بمشقة كما هو ثابت بالتجربة، ولا يتوضأ به؛ لأن الوضوء قد شرع بالماء وهو عبادة، وعلى من يدعي نجاسته أن يأتي بالدليل لا على من ينكرها لأنها خلاف الأصل؛ فإن الأصل في الأشياء الطهارة، وقد كنت أفتيت بطهارته في جواب سؤال عن الأعطار الإفرنجية، وبأن الخمر التي يعلل بعضهم نجاسته -بأخذه منها أو بعده منها- لا يقوم دليل على نجاستها الحسية التي تزال بالماء، وإنما هي رجس معنوي شرعي كالميسر والأنصاب والأزلام التي قرنت بها في الحكم، ونشر ذلك في (ص500-503) من مجلد المنار الرابع[2].
وقد رد علينا رجل من وجهاء الشام ففندنا رأيه في مقالة عنوانها «طهارة الكحول، والرد على ذي فضول»[3] نشرت في (ص821 و866) من المجلد الرابع أيضًا.
ثم أراد بعض علماء الأزهر أن يرد على هذه المقالة وكاشفنا برأيه في مجلس فيه جماعة من كبراء علماء الأزهر منهم مفتي الديار المصرية المرحوم الشيخ أبو بكر الصدفي، فناظرناه في ذلك مناظرة صرفته عن الرد الذي كان ينوي كتابته ونشره، وذكرنا خبر هذه المناظرة في المنار.
ثم إن بعض علماء الهند من الحنفية، أفتى بتحريم استعمال الكحول (إسبيرتو) في الأصباغ والأدهان والعطور، معللًا ذلك بكونه خمرًا نجسة، وعرض فتواه على العلماء فقرظها له بعضهم وأرسلها إلينا، فنشرناها بنصها ونصوص من وافقوه عليها، ورددنا عليها ردًّا طويلًا نشرناه في المنار (راجع 657-679 من المجلد 23) [4] ونشرنا لها ملحقًا طبيًا صيدليًا في الجزء الأول من المجلد 24[5].
[1] المنار ج31 (1930) ص 443-444.
[2] «طهارة الأعطار الإفرنجية». المنار ج4 (1901) ص 500-503.
[3] المنار ج4 (1901) ص 821-827، و ص 866- 871.
[4] المنار ج 23 (1922) ص 657-679. انظر أعلاه فتوى رقم 607.
[5] المنار ج24 (1923) ص 18-19.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 857 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017