حكم التبول والتغوط في المياه المستعملة
سئل بخطاب مصلحة الصحة رقم 24 إبريل سنة 1924 نمرة 531 بما صورته: قد ثبت علميًا أن مرض البلهارسيا «البول الدموي» والإنكيلستوما «الرهقان»، وغيرهما تنقل من مريض لآخر بواسطة المياه الملوثة من بول أو غائط مريض، وهذه الأمراض مضعفة للقوى، ومهلكة للأنفس، وتصيب خلقا كثيرين، ويصبح المرضى بها عديمي القوى، نحال الجسم هم وذووهم لا يقوون على عمل لهم ولا للهيئة الاجتماعية، وفي الحقيقة يصبحون عالة على ذويهم؛ لعدم مقدرتهم على العمل، وهذه الأمراض منتشرة انتشارًا عظيمًا بأنحاء القطر المصري؛ لهذا كان من أهم واجبات مصلحة الصحة العمل على استئصال شأفتها، وإيقاف انتقال عدواها، ولا يكون ذلك إلا بمنع الأهالي عن التبول والتغوط في المياه التي تستعمل للشرب والاستحمام، فإذا تحقق علميًا هذا الضرر كما قدمنا، فهل لا يحرم الدين والحالة هذه التبول والتغوط في المياه المذكورة أو بالقرب منها؟ ولذلك نلتمس من فضيلتكم إصدار فتوى ببيان حكم الدين الحنيف لنشرها على الناس مبينا فيها حكم الشرع الشريف فيمن يتبول أو يتغوط في المياه المستعملة للشرب وللاستحمام أو بالقرب منها إذا كانت نتيجته الضرر بصحة الغير، مع ذكر الأحاديث النبوية الخاصة بذلك.
علم ما جاء بخطاب سعادتكم رقم 24 إبريل سنة 1924 نمرة 531 المطلوب به معرفة الحكم الشرعي في التبول والتغوط في المياه المستعملة للشرب وللاستحمام أو بالقرب منها إذا كانت نتيجته الضرر بالغير ... إلخ. ونفيد أنه جاء في صحيح الإمام مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» والمراد بالماء الدائم: الماء الذي لا يجري كما يعلم ذلك مما رواه مسلم أيضًا في صحيحه عن أبي هريرة أيضًا بسند آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَبُلْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْهُ»، قال شارحه النووي: «وأما الدائم فهو الراكد، وقوله صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي لَا يَجْرِي» تفسير للدائم وإيضاح لمعناه، وهذا النهي في بعض المياه للتحريم، وفي بعضها للكراهة، والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجري إليه البول، وكله مذموم قبيح منهي عنه ...» إلى أن قال: «قال العلماء: ويكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه؛ لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء». اهـ. هذا ملخص ما تمس الحاجة إليه من شرحه لهذا الحديث، وقال فقهاء الحنفية إنه يكره البول والغائط في الماء ولو كان جاريا في الأصح كما صرح بذلك في متن التنوير وشرحه، وقال صاحب البحر: «إن الكراهة في الماء الراكد تحريمية وفي الجاري تنزيهية»، وكتب العلامة ابن عابدين على قوله: «ولو جاريًا» في الأصح ما نصه: «لما روى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ» رواه مسلم والنسائي وابن ماجه، وعنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي» رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد، والمعنى فيه أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه، وأما الراكد القليل فيحرم البول فيه؛ لأنه ينجسه، ويتلف ماليته، ويغر غيره باستعماله، والتغوط في الماء أقبح من البول، وكذا إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب النهر فجرى إليه فكله مذموم قبيح منهي عنه». اهـ. فعلم من هذا أن البول في الماء القليل أو بالقرب منه حرام، والبول في الماء الجاري أو بالقرب منه مكروه كراهة تنزيهية. هذا ومعلوم من قواعد الدين العامة أن كل مؤذ منهي عنه شرعًا، وينبغي للمسلم اجتناب ما يؤذي.
ثم بعد أن أرسلت هذه الفتوى إلى مصلحة الصحة وجدنا في منح الغفار وفي شرح السندي للدر المختار ما يزيد المسألة وضوحا فألحقناه هنا لمجرد الفائدة العلمية: قال في منح الغفار شرح تنوير الأبصار للتمرتاشي مؤلف المتن المذكور: «وكذا يكره بول وغائط في ماء ولو كان الماء جاريًا» على الأصح كما في شرح النظم الوهباني وعزاه شارحه إلى قاضي خان، وعزاه في الواقعات إلى الإمام قال: «لأنه يسمى فاعله جاهلًا، وإذا علم الحكم في الجاري علم في الراكد بطريق الأولى إن كان قليلًا، وإن كان كثيرًا فمن باب المساواة؛ لأن الكثير كالجاري، ويدل على كراهة التحريم قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ»، وقد أطلق بعضهم الحرمة على البول في الماء الراكد، ومراده كراهة التحريم مما لا يخفى؛ لعدم قطعية الدليل» انتهى. وقال السندي: «وفي البحر أنها -أي الكراهة- في الراكد تحريمية يعني إذا كان قليلًا، وفي الجاري أي حقيقة أو حكمًا تنزيهية». اهـ.
المبادئ:-
1- يحرم البول في الماء القليل أو بالقرب منه.
2- يكره البول في الماء الجاري أو بالقرب منه كراهة تنزيهية.
3- معلوم من قواعد الدين العامة أن كل مؤذ منهي عنه شرعًا وينبغي للمسلم تجنب ما يؤذي.
بتاريخ: 30/6/1924
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 163 س:24 تاريخ النشر في الموقع : 12/12/2017