رقم الفتوى: 198 لسنة 2011

العنوان: هل يعد الجهل عذرا شرعيا؟

السؤال:

هل يعد الجهل عذرا شرعيا لمن صدر منه ما ينافي الإسلام بحيث لا يحكم بكفره؟ وما هو ضابط الجهل الذي يعد عذرا؟

الإجابة:

مسائل الإيمان والكفر من المسائل التي ينبغي التدقيق في الكلام عليها، لما يترتب عليها من أحكام دنيوية وأخروية، فمعنى ثبوت الردة هدر الدم والمال وحرمة قربانه زوجته المسلمة، والشهادة عليه بالخلود في النار إن مات على حاله؛ ولأجل عظم هذا الأمر وخطره حذر العلماء من المجازفة بالتكفير والتسرع فيه، فإن من شيم العلماء الأناة في كل شيء، فمن تجده متسرعا ومجازفا في الأحكام فاعلم أنه لم يشم للعلم رائحة، لا سيما وأن الحكم بالكفر متوقف على توافر شروط وانتفاء موانع، فالصبي والمجنون مثلا لا يصح ردتهما؛ ولذلك وجب التبين والتحري الشديد قبل إصدار الحكم بالكفر وخصوصا عن أناس ثبت إسلامهم، فمتى أمكن حمل فعل المسلم أو قوله على محمل حسن تعين ذلك، لا سيما وأن إسلامه قرينة قوية تدفع عنه حكم الكفر.

يقول الإمام الغزالي في "الاقتصاد" (ص157، ط. دار الكتب العلمية): "والذي ينبغي أن يميل المحصل إليه: الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلا، فإن استباحة الأموال والدماء من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، خطأ، والخطأ في ترك تكفير ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم امرئ مسلم".

ويقول أيضًا في الكتاب المذكور (ص93): "من أشد الناس غلوا وإسرافا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين، وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتنا التي حررناها فهو كافر، فهؤلاء ضيقوا رحمة الله الواسعة على عباده أولًا، وجعلوا الجنة وقفا على شرذمة يسيرة من المتكلمين".

ويقول الشيخ ابن تيمية: "إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع" (مجموع الفتاوى 12/ 187).

وقول الشيخ ابن تيمية فيه تنبيه على قاعدة هامة، وهي أن هناك فرقا بين تكفير الأوصاف وتكفير الأعيان، فليس كل من اقترف قولا أو فعلا مكفرا يصبح كافرا بمجرد ذلك، وهو ما عنيناه سابقا من قولنا: إنه لا بد من توافر الشروط وانتفاء الموانع؛ ومن تلك الشروط تحقق أهلية المحكوم عليه.

والأهلية مصدر صناعي من الفعل "أهل"، يقال: هو أهل لكذا، أي هو مستوجب له.

ويقال: استأهله بمعنى استوجبه، ويدور معناها في الاصطلاح حول صلاحية الإنسان للوجوب له وعليه، ولصحة تصرفاته وتعلق التكليف به.

ومن أقسام الأهلية أهلية الأداء، وهي صلاحية الإنسان لكون ما يصدر عنه معتبرا شرعا، ومناطها العقل، ولذا فالأفعال التي لنتائجها ارتباط بالمقاصد والإرادات يشترط في فاعلها العقل والتفهم.

وهذا القسم من أقسام الأهلية قد يطرأ له ما يؤثر عليه بالنقص أو الزوال، وهو ما يسمى بـ: "عوارض الأهلية"، وتأثيرها في الأهلية إما أن يكون بالإزالة أو النقصان، أو تغير بعض الأحكام بالنسبة لمن عرضت له من غير تأثير في أهليته.

وعوارض الأهلية منها ما هو مكتسب، أي يكون للإنسان فيها نوع اختيار وذلك كالجهل، لكنه -أي الجهل- لا ينافيها -أي الأهلية-.

يقول الزركشي في "المنثور" (2/ 16، ط. وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت): "إعذار الجاهل من باب التخفيف، لا من حيث جهله".

فمعنى تأثير الجهل في الأهلية إسقاطه لبعض أحكامها كالإثم مثلا، لكن ليس كل جهل يعد عذرا بحيث ينتفي التأثيم معه، وإلا لكان الجهل خيرا من العلم كما يقول الشافعي فيما نقله عنه الزركشي في المنثور (2/ 17) حيث قال: "لو عذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيرا من العلم؛ إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله بالحكم بعد التبليغ والتمكين؛ لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".

ويقول الرملي في شرحه على المنهاج (3/ 164، ط. دار الفكر): "ومال في البحر إلى عذر الجاهل مطلقا، والأصح خلافه".

ولذلك فقد قرر الأصوليون والفقهاء ضوابط للجهل الذي يعذر به والذي لا يعذر به، وقبل الكلام على هذه الضوابط نريد أن نبين أننا سنذكر هذه المسألة مجردة بعيدا عن الأمثلة في الغالب الأعم، اكتفاء بالتقرير عن التمثيل؛ وذلك لأن أقلام معظم الكاتبين في هذه المسألة -يعني: العذر بالجهل- أقحمت صورا كأمثلة عليها لا نراها صائبة في التمثيل، وهذا الإقحام بناء على عدة مفاهيم يخالفوننا فيها كمفهوم الإيمان والكفر، والأعمال الشركية ونحو ذلك، فرأينا الإضراب عن ذكر الأمثلة التي هي مثار الخلاف في الغالب.

وأكثر من ذكر هذه المسألة هم أصوليو الحنفية، ويأتي ذلك من اهتمامهم بعقد فصل مستقل للأهلية وعوارضها في كتبهم، وعدهم الجهل من العوارض.

والحقيقة أن معظم ما ذكره الحنفية وغيرهم من ضوابط للعذر بالجهل يمكن رده إلى شيئين؛ لأنها إما ضوابط ترجع للمكلف نفسه، أو لمتعلق الجهل.

أولًا: الضوابط التي ترجع إلى المكلف نفسه: ومرادنا بالمكلف هنا هو من يتمتع بأهلية أداء كاملة، بمعنى أنه لم يعرض له أي من عوارض الأهلية سوى الجهل، ولا يعذر من هذا حاله سوى صنفين من الناس: أولهما: حديث العهد بالإسلام، ومن نشأ ببلدة بعيدة عن العلماء، ومثلهما من كان يقيم ببلد يغلب عليها البدعة، ومن كان بأرض غلب عليها الكفر بالأولى.

والأصل في ذلك حديث أبي واقد الليثي الذي رواه أحمد والترمذي بسند صحيح: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط يعلقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم».

ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في مصنفيهما، والنسائي في الكبرى، والبيهقي في الدلائل، والطبراني في الكبير وغيرهم بألفاظ متقاربة، وجاء في بعض روايات الطبراني: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر...».

وذات أنواط: شجرة عظيمة خضراء قريبا من مكة، كانت الجاهلية تأتيها كل سنة تعظمها وتعلق بها أسلحتها وتذبح عندها، والأقرب أنهم كانوا يعبدونها، وهو ما صرحت به بعض روايات الحديث كما عند الطبراني في الكبير، يعضد ذلك أنهم كانوا أهل جاهلية، وعلى ذلك فالقول بأن هذه الشجرة كان يتبرك بها فقط تحكم بلا دليل.

ومحل الشاهد في الحديث قوله: «ونحن حدثاء عهد بكفر»، إذ لا شك في أن طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم مثل تلك الشجرة من الكفر، لكن لم يجر عليهم لكونهم حديثي عهد بالإسلام.

يقول العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في كتابه "الإعلام بقواطع الإسلام" (ص242، ضمن كتاب الجامع في ألفاظ الكفر، ط. دار إيلاف الدولية بالكويت): "وعندنا إذا كان بعيد الدار عن المسلمين بحيث لا ينسب لتقصير في تركه المجيء إلى دارهم للتعلم أو كان قريب العهد بالإسلام يعذر لجهله، فيعرف الصواب".

وقال فيه أيضًا (ص282) متعقبا قول القائل: "لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة": "وما ذكره ظاهر موافق لقواعد مذهبنا؛ إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر، ولا نظر للمقصود والنيات، ولا نظر لقرائن حاله، نعم يعذر مدعي الجهل إن عذر لقرب عهده بالإسلام، أو بعده عن العلماء".

وفي "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص200، ط. مصطفى الحلبي): "كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس لم يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو نشا ببادية بعيدة يخفى فيها مثل ذلك".

ثانيهما: من لم يمكنه التعلم، بحيث يكون الجهل في هذه الحالة مما يشق الاحتراز عنه، وذلك كأهل الفترة وأزمنة اندثار آثار النبوة، فإذا وقع منه ما يقتضي الكفر لا يكفر، على أن إمكان التعلم قد يكون بسؤال أهل العلم أو ببذل الوسع في القراءة والتحصيل، كما أنه –أي عدم إمكان التعلم- من الأمور التقديرية التي يترك فيها المرء وأمانته.

يقول السمرقندي الحنفي في "ميزان الأصول" (ص171، ط. مطابع الدوحة الحديثة): "كون المأمور به معلوما للمأمور أي ممكن العلم به باعتبار قيام سبب العلم شرط لصحة التكليف، وفي الحاصل حقيقة العلم ليس بشرط، لكن التمكن من العلم باعتبار سببه كاف".

ويقول العلامة ابن اللحام الحنبلي في "قواعده" (ص58، ط. مطبعة السنة المحمدية): "يشترط لصحة التكليف أن يكون المكلف عالما بما كلف به... إذا تقرر هذا فهاهنا مسائل تتعلق بجاهل الحكم: هل هو معذور أم لا ترتبت على هذه القاعدة، فإذا قلنا: يعذر، فإنما محله إذا لم يقصر ويفرط في تعلم الحكم، أما إذا قصر أو فرط فلا يعذر جزما".

وفي قواعد المقري المالكي (2/ 412، ط. جامعة أم القرى): "لا عذر بالجهل بالحكم ما أمكن التعلم".

ثانيًا: الضوابط التي ترجع إلى متعلق الجهل: المراد بمتعلق الجهل هو الشيء المجهول، والضابط الذي يرجع إلى ذلك صفة المسألة المجهولة من حيث الظهور والاشتهار وعدمه، والأصل في ذلك أن ما كان ذائعا منتشرا لا يقبل دعوى الجهل فيه، فلا يعذر به، ولبيان ذلك ننظر في النقول الآتية ثم نتبعها بالتحليل: يروي القاضي أبو يوسف عن الإمام أبي حنيفة قوله: "لا عذر لأحد من الخلق في جهله معرفة خالقه؛ لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده؛ لما يرى من خلق السماوات والأرض وخلق نفسه وسائر ما خلق الله سبحانه وتعالى، فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حكمية بلفظه". (بدائع الصنائع 7/ 132، ط. دار الكتب العلمية).

ويقول الشيخ علي القاري في شرحه للفقه الأكبر للإمام أبي حنيفة (ص451، ط. دار البشائر): "اعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر عالما بمعناها ولا يعتقد معناها لكن صدرت عنه من غير إكراه بل مع طواعية في تأديتها فإنه يحكم عليه بالكفر... أما إذا تكلم بكلمة ولم يدر أنها كفر ففي فتاوى قاضي خان حكاية خلاف من غير ترجيح، حيث قال: قيل: لا يكفر؛ لعذره بالجهل. وقيل: يكفر ولا يعذر بالجهل.

أقول: والأظهر الأول، إلا إذا كان من قبيل ما يعلم من الدين بالضرورة، فإنه حينئذ يكفر ولا يعذر بالجهل".

ويقول أيضًا (ص329): "حد أصول الدين علم يبحث فيه عما يجب به الاعتقاد، وهو قسمان: قسم يقدح الجهل به في الإيمان كمعرفة الله تعالى، وصفاته الثبوتية، والرسالة، وأمور الآخرة. وقسم لا يضر الجهل به كتفضيل الأنبياء على الملائكة.

فقد ذكر السبكي في تأليف له: لو مكث الإنسان مدة عمره لم يخطر بباله تفضيل النبي على الملائكة لم يسأله الله عنه".

ويقول الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص357، ط. دار الكتب العلمية): "فقال لي قائل: ما العلم؟ وما يجب على الناس في العلم؟ فقلت له: العلم علمان: علم عامة لا يسع بالغا غير مغلوب على عقله جهله.

قال: ومثل ماذا؟ قلت: مثل الصلوات الخمس وأن لله على الناس صوم شهر رمضان وحج البيت إذا استطاعوه وزكاة في أموالهم وأنه حرم عليهم الزنا والقتل والسرقة والخمر، وما كان في معنى هذا مما كلف العباد أن يعقلوه ويعملوه ويعطوه من أنفسهم وأموالهم وأن يكفوا عنه ما حرم عليهم منه، وهذا الصنف كله من العلم موجودا نصا في كتاب الله وموجودا عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم يحكونه عن رسول الله ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه عليهم.

وهذا العلم العام الذي لا يمكن فيه الغلط من الخبر ولا التأويل ولا يجوز فيه التنازع.

قال: فما الوجه الثاني؟ قلت له: ما ينوب العباد من فروع الفرائض وما يخص به من الأحكام وغيرها مما ليس فيه نص كتاب ولا في أكثره نص سنة، وإن كانت في شيء سنة فإنما هي من أخبار الخاصة، لا أخبار العامة".

وفي شرح الإمام النووي على صحيح الإمام مسلم عند كلامه على حكم مانعي الزكاة (2/ 205، ط. دار إحياء التراث العربي): "فأما اليوم وقد شاع دين الإسلام واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاص والعام واشترك فيه العالم والجاهل فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئًا مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشرا كالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان... إلا أن يكون رجلا حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئًا منها جهلا به لم يكفر وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه، فأما ما كان الإجماع فيه معلوما من طريق علم الخاصة كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث، وأن للجدة السدس وما أشبه ذلك من الأحكام، فإن من أنكرها لا يكفر، بل يعذر فيها؛ لعدم استفاضة علمها في العامة".

ويقول الشيخ ابن تيمية في شرحه على "العمدة" في باب الصلاة (2/ 51- 52، ط. دار العاصمة بالرياض): ""فمن جحد وجوبها بجهله عرف ذلك، وإن جحدها عنادا كفر" هذا أصل مضطرد في مباني الإسلام الخمسة وفي الأحكام الظاهرة المجمع عليها من مكلف إن كان الجاحد لذلك معذورا، مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو قد نشأ ببادية هي مظنة الجهل بذلك، لم يكفر حتى يعرف أن هذا دين الإسلام".

ويقول القرافي في "الفروق" تحت عنوان طلب الداعي من الله تعالى ثبوت ما دل القاطع العقلي على نفيه (4/ 447، ط. دار الكتب العلمية): "واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عذرا للداعي عند الله تعالى؛ لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل... نعم الجهل الذي لا يمكن رفعه للمكلف بمقتضى العادة يكون عذرا... وأما الجهل الذي يمكن رفعه لا سيما مع طول الزمان واستمرار الأيام، والذي لا يعلم اليوم يعلم في غد ولا يلزم من تأخير ما يتوقف على هذا العلم فساد فلا يكون عذرا لأحد".

وفي "الإتقان" للسيوطي ([2]/ [182]، ط. المكتبة التجارية): "أما ما لا يعذر أحد بجهله فهو ما تتبادر الأفهام إلى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى، فهذا القسم لا يلتبس تأويله إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [محمد: 19].

وأنه لا شريك له في الإلهية، وإن لم يعلم أن "لا" موضوعة في اللغة للنفي وإلا للإثبات، وأن مقتضى هذه الكلمة الحصر، ويعلم كل أحد بالضرورة أن مقتضى أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ونحوه طلب إيجاب المأمور به، وإن لم يعلم أن صيغة افعل للوجوب، فما كان من هذا القسم لا يعذر أحد يدعي الجهل بمعاني ألفاظه لأنها معلومة لكل أحد بالضرورة".

فالذي يفهم من مجموع هذه النصوص أن ظهور مسائل الشرع وذيوعها تكونه عدة عوامل بحيث إذا اجتمعت حكم لها بذلك، وبفقدها تكون من المسائل الخفية التي يعذر جاهلها مع مراعاة باقي الشروط.

ومرد هذه العوامل إلى أشياء: منها أن تكون المسألة معلومة من الدين بالضرورة، ومعنى علمها بالضرورة أن يستوي في علمها جميع الناس لا فرق بين العالم الجاهل، سواء كانت تلك المسائل من أصول الدين أو فروعه.

ومنها: أن تكون من المسائل المنصوص عليها في الكتاب أو السنة، أو أجمع عليها العلماء ويتناقلها الأجيال على التعاقب بلا خلط أو غلط، أو كونها من المسائل المحكمة التي لا يتطرق إليها تأويل.

ومنها: أنها مسائل لا يتعذر على المكلف رفع الجهل عن نفسه فيها عادة، بحيث لا يشق عليه ذلك.

والخلاصة: أن العذر بالجهل يختلف باختلاف جهات أربع، هي الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.

ومما ذكر يعلم الجـــواب على السؤال.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

المبادئ

1- متى أمكن حمل فعل المسلم أو قوله على محمل حسن تعين ذلك.

2- الأفعال التي لنتائجها ارتباط بالمقاصد والإرادات يشترط في فاعلها العقل والتفهم.

3- يعذر بالجهل من تمتع بأهلية أداء كاملة، ولكنه حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببلدة بعيدة عن العلماء، أو كان يقيم ببلد يغلب عليها البدعة، أو كان بأرض غلب عليها الكفر، أو كان ممن لم يمكنهم التعلم، بحيث يكون الجهل في هذه الحالة مما يشق الاحتراز عنه.

4- ما كان ذائعا منتشرا لا يقبل دعوى الجهل فيه فلا يعذر به؛ وذلك إذا كانت المسألة معلومة من الدين بالضرورة، أو من المسائل المنصوص عليها في الكتاب أو السنة، أو أجمع عليها العلماء وتناقلها الأجيال على التعاقب بلا خلط أو غلط، أو من المسائل المحكمة التي لا يتطرق إليها تأويل، أو كانت مسائل لا يتعذر على المكلف رفع الجهل عن نفسه فيها عادة.

5- العذر بالجهل يختلف باختلاف جهات أربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال.