• أخذ الربح من المصارف الأجنبية

    هل يجوز شرعًا وضع مال في أحد المصاريف الأجنبية، وأخذ ربا عنه، ودفعه (أي الربا) إلى الحكومة عن الضرائب المتنوعة التي تفرضها وتجبر الناس على دفعها؟[1]

    إن الربا المحرم قطعًا لا يحل إلا لضرورة يضطر صاحبها إليه اضطرارًا كالاضطرار إلى أكل الميتة ولحم الخنزير؛ فهل الربح المسئول عنه كله من الربا القطعي؟ وهل دفع الضرائب الإجبارية من الضرورات الاضطرارية التي تبيحه؟ المشهور أن الربح الذي تعطيه المصارف لأصحاب الأموال هو حصص من الربح العام الذي تستغله منها.

    وهو أنواع أقلها ما هو من الربا الذي عرَّفه الإمام أحمد وغيره من أئمة السلف -وقد سئل عن الربا الذي لا شك فيه فقال- هو أنه كان يكون للرجل على الرجل دين مؤجل فإذا جاء الأجل ولم يكن عنده ما يقضي به زاده في المال وزاده صاحب المال في الأجل، وهذا بعض ربح المصارف المالية وليس منه ما تأخذه ولا ما تعطيه لأصحاب سهامها ولا للمودعين لأموالهم فيها.

    وأما كونه بعض مالها المحرم في الإسلام، فمثله كثير من أموال الناس، والعبرة في مثله بصفة أخذه لا بأصله، ولا سيما في هذا العصر الذي قلما يوجد فيه كسب يُلتزم فيه الشرع في بلاد الإسلام؛ فما القول في بلاد الإفرنج ومستعمراتهم؟ فمن اعتقد مع هذا كله أنه من الربا المحرم، لا يجوز له أخذه لأجل أن يدفعه في الضرائب المحرمة -من باب دفع الفاسد بالفاسد- لأنه ليس ثمة ضرورة تبيح له ذلك.

    ومن اعتقد أنه غير ربا شرعي قطعي لم يحرم عليه، فإن التحريم هو حكم الله المقتضي للترك اقتضاء جازمًا، واشترط الحنفية وجمهور السلف أن يكون بنص قطعي، بل قال أبو يوسف: إنه لا يقال في شيء إنه حرام إلا إذا كان بيِّنًا في كتاب الله بغير تفسير.

    ومن كان عنده شبهة فيه دون التحريم كان دفعه في ضرائب الظلم الإجبارية أولى من دفع الأموال التي لا شبهة فيها.

    وقد بينَّا حكم الشبهات من قبل في مباحث الربا والمعاملات المالية التي تصدر في كتاب مستقل.

    [1] المنار ج35 (1936) ص132.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 1056 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة