ادعاء سرقة المال المودع
سئل في رجلين صديقين اتفقا فيما بينهما بإيجاب وقبول على أن يودع أحدهما عند الآخر بعضا من ماله الفائض عن حاجته، وأخذ المودع يسلمه هذا الفائض على دفعات، وكان من حين لآخر يسترجع منه بعضا من هذا المال كلما دعت حاجته لذلك، ولضبط الحساب خصصا دفترا يقيد فيه المودع بحضور المستودع المال المدفوع والمقبوض، وكان الرصيد يرتفع وينخفض تبعا لذلك، واستمر الحال على هذا المنوال إلى ما يقرب من السنتين، مع الإحاطة بأن المستودع تاجر ولديه نقود كثيرة يقرضها للناس بالفائدة، وكان مال الوديعة مخلوطا بماله النقدي دون تمييز، وفي يوم من الأيام سرق جميع المال النقدي من متجره ولم يوفق البوليس لمعرفة اللصوص، وبعد مضي مدة تزيد على الشهر من افتضاح أمر السرقة طلب المودع استرداد بعض ماله كعادته فامتنع المستودع من إعطائه شيئًا من هذا المال بحجة أن اللصوص سرقوا جميع ماله النقدي ومنه مال المودع ولم يبلغ المستودع المودع بسرقة ماله إلا عند المطالبة.
والمطلوب هو معرفة الحكم الشرعي فيما إذا كان يجب على المستودع أن يرد للمودع رصيد ماله الذي كان أمانة تحت يده أو لا.
إن هذا الاتفاق من قبيل الوديعة، والأصل في الوديعة أنها أمانة لدى المستودع يجب عليه حفظها بمقتضى قبوله لها، وإذا هلكت من غير تعد منه تهلك على صاحبها المودع ولا يضمنها له المستودع، والتعدي في مال الوديعة له وجوه كثيرة منها: أنه إذا خلطها المستودع بماله بحيث لا تتميز سواء كانت مخلوطة بجنسها كالنقود بالنقود أو بغير جنسها كالحنطة بالشعير، فإن هذا لا يعتبر تعديا واستهلاكا عند الإمام أبي حنيفة، وحينئذ يجب على المستودع ضمانها وتسليم مثلها للمودع، وعند الصاحبين الحكم كذلك فيما إذا خلطت بغير جنسها، أما إذا خلطت بجنسها كالنقود بالنقود فإن المودع بالخيار إن شاء ضمن المستودع وإن شاء شاركه في المال المخلوط بنسبة ماله كما جاء في فتح القدير وفي الاختيار من باب الوديعة، وظاهر أن إرادة الشركة لا تتحقق إلا إذا كان المال جميعه باقيا تحت يد المستودع، وبناء على هذا فإذا كان المستودع في حادثة السؤال قد خلط مال الوديعة بماله بحيث لا يمكن تمييزه وإن كان مخلوطا بجنسه كما جاء بالسؤال فإن هذا الخلط يعتبر تعديا من المستودع فيجب عليه ضمان مال الوديعة للمودع، وتسليم مثله له كاملًا دون نقص وذلك طبقا لرأي الإمام أبي حنيفة ولرأي الصاحبين في حالة ما إذا اختار المودع تضمين المستودع، وحالة الضمان هي المتعينة في هذه الحادثة على ما نرى؛ لأن حالة إرادة الشركة غير ممكنة لهلاك المال بالسرقة، أما حادث السرقة على وجه العموم فإنه لا دخل له فيما ذكرناه من الأحكام؛ لأن الضمان موجب على المستودع بمجرد خلط مال الوديعة بماله قبل حدوث السرقة، فيكون وجوب الضمان سابقا على الهلاك فكان المال المسروق كله ملكا للمستودع، أما مال الوديعة فإن مثله دين ثابت في ذمته يجب عليه أداؤه للمودع، ولا أثر لحادث السرقة فيه.
ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال حيث كان الحال ما ذكر.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
المبادئ:-
1- الوديعة أمانة لدى المستودع يجب عليه حفظها بمقتضى قبوله لها، وإذا هلكت من غير تعد منه تهلك على صاحبها المودع.
2- الضمان موجب على المستودع بمجرد خلط مال الوديعة بماله.
3- مال الوديعة دين ثابت في ذمة المستودع يجب عليه أداؤه للمودع.
بتاريخ: 16/7/1956
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 140 س:78 تاريخ النشر في الموقع : 12/12/2017