• نجاسة الكلب واتخاذه

    نرجوكم أن تبسطوا لنا رأيكم في نجاسة الكلبُ، فغير خافٍ على حضرتكم أن في بعض المذاهب من قال بنجاسته بين لعابه وجسمه إذا كان مبتلًا، وأنه إذا ولغ في إناء وجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب، وبعضهم قال بعدم نجاسة جسمه ولا لعابه. فأي الفريقين أقوى حجة؟ وهل يجوز للمسلم اقتناؤه والاختلاط به أم لا؟ ولا يخفى على حضرتكم ما هو مشهور به هذا الحيوان من الأمانة وحرصه على صاحبه. ننتظر من حضرتكم القول الفصل والله المسئول أن يبقيكم خير هاد إلى سبيله القويم.
     

    ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه تعالى وآله وسلم رخّص للناس في اتخاذ الكلاب للصيد والزرع والماشية كما في صحيح مسلم وغيره لما له من المنفعة، وأذن بأكل الصيد إذا جاء به الكلب ميتًا ولم يأكل منه.

    وأما الخلاف في طهارة الكلب ونجاسته فالأصل فيه أحاديث في الصحيح تأمر بغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، وفي بعض هذه الروايات الاكتفاء بذلك، وفي بعضها: إحداهن بالتراب، في رواية عند أحمد ومسلم: وعفروه الثامنة بالتراب، وأحاديث الإذن باتخاذه مع العلم بتعذر الاحتراز من ملابسته عادة.

    ولا ترى مذهبًا من الأربعة أخذ بأحاديث الولوغ كلها، فالشافعية والحنابلة على وجوب الغسل من نجاسته سبع مرات إحداهن بالتراب، وعلماؤهم يعلمون أن الحديث صح بتعفيرة الثامنة بالتراب، ومن أصولهم أن زيادة الثقة في الرواية مقبولة تخصص العام وتقيد المطلق. وصرحوا بأنه نجس العين، وقالت المالكية بطهارة عينه، وأوجبوا غسل الإناء الذي يلغ فيه سبع مرات من غير تتريب.

    وقالت الحنفية بنجاسة لعابه لا عينه، ويغسل عندهم منها مرة واحدة، ومن قال بطهارته قال: إن الأمر بغسل ما يلغ فيه للتعبد، وقيل غير ذلك مما ذكرناه في المنار من قبل.

    ولعل العلة الحقيقية في ذلك الاحتياط لأنه يأكل النجاسات والجيف وأثرها ضار أو الحذر من الدودة الوحيدة، وقد فصل هذا المعنى بعض المشتغلين بالطب في مقالة نشرت في المجلد السادس من المنار وقد ورد في حديث أبي هريرة عند أحمد والشيخين وأصحاب السنن: «مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا، إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ، انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ». فاستدلوا بهذا على كراهة الاتخاذ لغير حاجة مع الجواز.

    إذ لو كان محرمًا لامتنع ولو لم يكن فيه نقص الثواب، وقد اختلفوا في سبب الكراهة؛ فقيل: لأنها تروع الناس الزائرين والسائلين والمارين، وقيل: لأن الملائكة لا تدخل البيوت التي فيها الكلاب، وقيل: لأن بعضها شياطين أي ضارة، وقيل لأن الاحتراز عن ولوغها في الأواني متعسر فيترتب على ذلك عدم امتثال الأمر أحيانًا. نقول: أو ينشأ عن ولوغها الضرر من غير أن يشعر به المتخذ، وقيل لنجاستها، وقيل لعدم الامتثال.

    قال الحافظ ابن عبد البر: وجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعًا لا يكاد يقوم بها ولا يتحفظ منها، فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك.

    وروي أن المنصور بالله سأل عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه، فقال له المنصور: لأنه ينبح الضيف ويروّع السائل. وتجد تفصيل ذلك في فتح الباري وفي نيل الأوطار.

    والمختار عندنا أن الكلب طاهر العين، وأنه ينبغي لمن يتخذه لحاجته إليه أن يحترز من ولوغه في الأواني بقدر الإمكان. فإنْ عَلِم أنه ولغ في إناء فليغسله كما ورد، وإذا غسله بمحلول السليماني، فذلك توقٍّ من الدودة الوحيدة[1].

    [1] المنار ج7 (1904) ص818-820.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 125 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات