حكم شهادات الاستثمار
السائل يطلب بيان الحكم الشرعي عن شهادات الاستثمار من ناحية الحل والحرمة، وكيفية حساب زكاة شهادات الاستثمار المجموعة "أ" والتي مدتها عشر سنوات.
إن التعامل مع البنوك من الأمور المستحدثة التي لم تكن موجودة في عصر التشريع الأول ولا في عصر الصحابة والتابعين، ولم يرد بشأنها نص بالإباحة أو الحرمة، بل كانت خاضعة لاجتهادات فقهاء الشريعة الإسلامية؛ ولذا اختلفت كلمتهم في هذه النشاطات الإنسانية ما بين محلل ومحرم، كل حسب نظره في النصوص الفقهية واجتهاده، والذي يقتضيه النظر الدقيق في قواعد الشريعة الإسلامية وروحها هو أن الشريعة الإسلامية مبنية على رعاية مصالح الناس وحاجاتهم، فلا بد لهذا النشاط المستحدث من أحكام وقواعد تتفق وشريعة الإسلام السمحة الداعية إلى الانطلاق إلى آفاق أرحب وأوسع، ومن هذا المنطلق فإن التعامل مع البنوك أخذا أو إعطاء إن كان المتعامل مع البنك يقصد بذلك التعامل القرض أو الوديعة أو الدين فإنه لا يصح له أن يأخذ من البنك أكثر من المبلغ الذي أعطاه للبنك، وعلى البنك أن يرد القرض أو الدين بلا زيادة، وترد هذه الأشياء بذاتها إن كانت قيمية أو مثلها إن كانت مثلية؛ وذلك لأن الزيادة على المبلغ المدفوع تكون من باب الربا المحرم شرعا مع مراعاة أن النقود أصبحت قيمية وليست مثلية.
أما إذا كان المتعامل مع البنك يقصد أن يكون البنك وكيلا عنه وكالة مطلقة أو مقيدة صريحة أو ضمنية في استثمار الأموال فيما أحله الله؛ طبقا للشروط المتفق عليها أو دراسة الجدوى الحقيقية من أهل الاختصاص، ورضي بما حدده له البنك أو الصندوق من تقسيم الربح العائد للاستثمار بنسبة معينة، وتم الموافقة عليها وكان يقصد بهذا التعامل أن يستثمر له البنك أو الصندوق هذه الأموال فيما أحله الله مع تحديد الربح مقدما زمنا ومقدارا فقد اختلف فيه الفقهاء، فتحديد الربح مقدما منعه بعض الفقهاء وقالوا: إنه حرام وغير جائز شرعا.
ويرى البعض الآخر أنه حلال وجائز شرعا؛ لأن التعامل بقصد الاستثمار في الأموال كما في شهادات الاستثمار وما يشبهها لا يخضع لأي نوع من أنواع العقود المسماة التي ورد في شأنها التحريم، وهي معاملة نافعة للأفراد والمجتمع وليس فيها استغلال أو غش أو خداع أو ظلم من أحد طرفي التعامل للآخر، أو هي من قبيل المضاربة الشرعية، ولا يمنع من كونها مضاربة تحديد الربح مقدما؛ لأنه من باب الوعد لتحقيق هذا المسمى عند التعاقد اعتمادا على الغالب في مثل هذه المعاملات من تحقيق الربح في المعاملات التي تحققت قبل هذا العقد، والوعد ملزم عند بعض الفقهاء كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم؛ لقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: 34]. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1].
ولأن هذا التحديد لم يرد ما يمنعه من كتاب الله أو سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحيث إنه من باب الوعد بالوفاء وبما اتفق عليه عند تحققه بالفعل في نهاية العام، بل إن هذا التحديد قد يكون مطلوبا لرفع النزاع بين الناس في معاملاتهم التجارية التي يحدث فيها الخلاف غالبا، ولكي يعرف كل إنسان حقه.
والمضاربات كما يقول بعض الفقهاء تكون حسب اتفاق الشركاء، ولو لم يكن لصاحب المال نصيب معين من الربح الذي تحقق بالفعل لظلمه شريكه؛ لقلة الوازع الديني في هذا الزمن غالبا، وما دام هذا الاتفاق لا يخالف نصا من كتاب الله أو من سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فلا مانع منه شرعا.
ودار الإفتاء المصرية تختار الرأي الثاني وترى أن الأخذ به أولى؛ لرعاية مصالح الناس، وقد ضمن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الصناع في عهده مع أن الأصل عدم تضمينهم؛ لأن الصانع أمين، والأمين غير ضامن، وهذا الأصل هو الذي كان مطبقا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعهد أبي بكر وعمر وعثمان، ثم ضمنهم علي كرم الله وجهه بعد أن كانوا غير ضامنين وبعد أن كانوا مطالبين بأداء اليمين فقط عند الادعاء عليهم بالسلع وإنكارهم لها، أو ادعائهم بأنهم قد أدوها لأصحابها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر».
فضمن علي الصناع في عهده على خلاف الأصل الذي كان مطبقا في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته؛ وذلك لأن عليا نظر في تغير ظروف العصر وما رآه من ضعف ذمم بعض الناس وضياع الحقوق على أصحابها، ولتحقيق العدالة بين الناس؛ لذلك ضمن علي الصناع في عهده. ودار الإفتاء المصرية رأت أن الفائدة المحددة إذا كان المقصود منها أنها ربح عائد على الأموال المقدمة للاستثمار فيما أحله الله فلا مانع منها شرعا.
بالنسبة للزكاة المستحقة عن شهادات الاستثمار المجموعة "أ" فنفيد بالآتي: زكاة المال ركن من أركان الإسلام وفرض عين على كل مسلم توافرت فيه شروط وجوب الزكاة، وأهم شروطها أنها تجب على كل مسلم حر مالك للنصاب، وأن يبلغ المال النصاب الشرعي، وأن تكون ذمة مالكه خالية من الدين، وفائضا عن حاجته وحاجة من يعول، وأن يمضي عليه سنة قمرية.
والنصاب الشرعي هو ما يقابل قيمته بالنقود الحالية 85 جراما من الذهب عيار 21، فإذا ملك المسلم هذا النصاب أو أكثر وجبت فيه الزكاة بمقدار ربع العشر أي 2.5%.
وبناء على ذلك: إذا بلغ المال المستثمر والموضوع بالبنك النصاب الشرعي أو أكثر وجبت فيه الزكاة بعد استيفاء الشروط السابقة بواقع 2.5%.
أما قيمة الزكاة المستحقة على العائد من هذا المال فإن كان العائد يصرف في الاحتياجات الضرورية فلا تجب فيه الزكاة، أما إذا لم يصرف هذا العائد في الاحتياجات فيضاف على رأس المال ويخرج عنهما زكاة بعد توافر الشروط السابقة بنسبة 2.5%، وحيث إن عائد هذه الشهادات المجموعة "أ" يضاف العائد على رأس المال فيجب الزكاة عن الأصل مضافا إليه العائد الذي يقرر في نهاية كل عام، ويجب عليه إخراج الزكاة عن الأصل مضافا إليه العائد في نهاية كل عام بواقع 2.5% بعد توافر الشروط السابقة لوجوب إخراج الزكاة، وعليه أن يقوم بحساب الزكاة عن الأصل والعائد في نهاية كل عام ويخرج عنهما زكاة في نهاية كل سنة على حدة كما بيَّنَّا.
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال إذا كان الحال كما ورد به.
والله سبحانه وتعالى أعلم
المبادئ:-
1- المتعامل مع البنك إذا كان يقصد القرض أو الوديعة أو الدين أو الرهن، فإن الزيادة فيه تكون ربا محرما شرعا.
2- المتعامل مع البنك إذا كان يقصد توكيل البنك في استثمار مبلغ معين يقدمه للبنك مع رضاه لما حدده له البنك، فإن ذلك جائز شرعا، وهذا هو المختار للفتوى.
3- تحديد الفائدة مقدما زمنا ومقدارا جائز شرعا.
4- يجب إخراج الزكاة في المال المتبقي بعد الإنفاق على الحوائج الضرورية متى بلغ المال النصاب وحال عليه الحول وهو في حوزة صاحبه بمقدار ربع العشر أي ما يعادل 2.5%.
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 250 لسنة 2002م تاريخ النشر في الموقع : 15/12/2017