• لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه

    ضمني وبعض العلماء مجلس ودار بيننا الحديث في مرتبة الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء وآل البيت بعد الممات، وهل هم قادرون على إجابة دعوة الداع إذا دعاهم وهل يملكون لأنفسهم نفعًا أو ضرًا وفي: (لو اعتقد أحدكم في حجر لنفعه) هل هو حديث صحيح ومذكور في البخاري وفي الجامع الصغير. فقلت أنا بالسلب في الكل وقالوا هم بالإيجاب. وقد رأينا أن نكتب لجنابكم لتأتوا لنا في مجلتكم (المنار) بفصل الخطاب؛ فإنك نعم الحكم الذي ترضى حكومته، ولكم من الله الأجر ومنا الشكر.
     

    دعوة غير الله تعالى شرك ونعني بها اللجأ إلى غيره في طلب ما وراء المساعدة والمعاونة الكسبية التي تكون بين الناس عادة: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[١٨]﴾ [الجن: 18] وقد أمر الله نبيه أن يبين للناس عمل الرسل ووظيفتهم بقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا[٢٠] قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا[٢١] قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا[٢٢] إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ [الجن: 20 - 23] إلخ. قال البيضاوي وغيره في تفسير قوله: ﴿ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ أي: لا ضرًا ولا نفعًا ولا غيًا ولا رشدًا، «عبر عن أحدهما باسمه وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشعارًا بالمعنيين»، أو هذا هو الذي يسميه البلغاء الاحتباك، ومنه قوله تعالى: ﴿لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا﴾ [الإنسان: 13] أي: شمسًا ولا قمرًا ولا حرًا ولا زمهريرًا. وقالوا في قوله: ﴿إِلَّا بَلَاغًا﴾ إنه استثناء من قوله: ﴿لَا أَمْلِكُ﴾ أي: لا أملك إلا التبليغ، والله الفاعل المؤثر الذي ينفع الناس ويرشدهم بالفعل. وهذه الآية بمعنى قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الكهف: 110]، وما في معناها من آيات حصر وظيفة الأنبياء في التبليغ وقد شرحنا المقام مرارًا كثيرة. وأما الحديث فقد جاء في كتاب اللؤلؤ المرصوع فيه ما نصه: حديث «لو حسن أحدكم ظنه بحجر لنفعه» موضوع، كما قاله ابن تيمية. وقال ابن الجوزي: هو من كلام عباد الأصنام. اهـ. ومن أعجب العجائب أن أمة التوحيد قد فشا فيها هذا الحديث المفترى منذ فشت فيهم نزغات الوثنية ودعاء غير الله، حتى إن كل عامي يحفظه، ولما نبهنا على وضعه في درسنا العام في المسجد الحسيني وبينّا فساد الاحتجاج به قام بعض السدنة لتلك الهياكل يغري العامة بالقول بأننا نفسد لهم دينهم أن قلنا في عمود الرخام الذي في المسجد يتمسح به الناس ويلتمسون نفعه: إنه لا ينفع في الحقيقة ولا يضر، وأن النافع الضار هو الله وحده، ولكنه جعل للنفع والضر أسبابًا، وهدانا لاجتناب الضار واجتلاب النافع بما وهب لنا من العقل والحواس والدين، وعم اللغط بذلك، حتى نصرنا الله رب العالمين[1].

    [1] المنار ج6 (1903) ص792.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 17 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة