أقوال العلماء بغير دليل
ما حكم ما يرد عن العلماء ولا يعلم له دليل؟
لا حجة في قول أحد بالدين دون قول الشارع، ويجب رد كل قول لم يؤيد بدليل بالحديث المتفق عليه: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» أي مردود. وبذلك صرح الأئمة المشهورون، قال أبو الليث السمرقندي: حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبي حنيفة أنه قال: «لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا»، وروي عن أصحابه مثل ذلك. وفى رواية: «ما لم يعرف دليلنا» وممن نقل عنهم ذلك الشعراني وولي الله الدهلوي. وفي روضة العلماء من كتبهم، قيل لأبي حنيفة: إذا قلت قولًا وكتاب الله يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لكتاب الله. فقيل: إذا كان خبر الرسول صلى الله عليه وسلم يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة. وروى الحافظ ابن عبد البر بسنده إلى معن بن عيسى، قال: سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. ورواه غيره أيضًا. ومن المشهور عن مالك أنه كان يقول عند التحديث في الحرم النبوي الشريف: كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر. ويشير إلى الروضة الشريفة. وقال الإمام الشافعي في كتابه الأم في أثناء كلام: «وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول إلا بالاستدلال» وله أقوال في هذا المعنى كثيرة يكفينا منها هذا النص الصريح فيما نحن فيه، وأتباعه من أكثر الناس أقوالًا في ذلك، وكذلك الحنابلة، ولذلك كثر المجتهدون ممن تفقه في هذين المذهبين.
وأما الإمام أحمد فهو أشد الناس براءة من القول بغير دليل، وقد سأله أبو داود عن الأوزاعي ومالك أيهما أتبع؟ فقال: لا تقلد دينك أحدًا من هؤلاء، ما جاء عن النبي وأصحابه فخذه، وقال: «لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الشافعي ولا الأوزاعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا» أي من الدليل. وما قاله هؤلاء الأئمة المهتدون هو ما أجمع عليه السلف، ولكن الغلو في تعظيم الإنسان لشيوخه وشيوخهم وثقته بهم من أسباب ترك الدليل إلى أقوالهم بل من أسباب اتباعهم في أقوالهم وأفعالهم. وكم من رجل جهول قلده الجاهلون لأنهم اعتقدوا صلاحه فقالوا: ما كان لمثله في تقواه وورعه أن يقول أو يعمل إلا ما يعلم أنه حق. وهذا قول مردود بلا نزاع فالصالح غير معصوم فقد يخطئ جهلًا وقد يخطئ سهوًا وعمدًا[1].
[1] المنار ج9 (1906) ص139.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 187 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017