بيع الدين بالنقد والأوراق المالية
هل يجوز بيع الدَّيْن إلى بعض البنوك أو غيرها بأحد النقدين أو بالأوراق المالية؟
لا أعرف نصًّا في الكتاب أو السُّنة يمنع ذلك، وهو في القياس أشبه بالحوالة منه ببيع النقد بالنقد، فإن المراد من هذه المعاملة أن يقتضي المشتري ذلك الدَّين، لأنه أقدر على اقتضائه وليس فيه من معنى الربا من شيء، ولكن صورته تشبه بعض صوره الخفية غير المحرمة في القرآن ولذلك يشدد فيه الفقهاء ولمن احتاج إلى ذلك أن يأخذ ما يأخذ من البنك أو غيره على أنه دَيْن يحوله بقيمته على مدينه أو بأكثر منه، ويجعل الزيادة أجرة أو ما شاء. وههنا مسألة يجب التنبيه لها وهي أن ما ورد في الشرع بشأن ما يصح من المعاملات المالية ونحوها، وما لا يصح لا يراد به أن ذلك من حقوق الله على العبد كالعبادات وترك الفواحش، وإنما المراد بذلك منع التظالم والتغابن بين الناس، فكل معاملة لا ظلم فيها جائزة، وما كان فيها ظلم فهي حرام إلا أن تكون برضا المغبون، فمعنى صحة البيع ديانة أنه لا ظلم فيه بنحو غبن أو غش، وحكمه النفاذ، وعدم استقلال أحد المتبايعين بفسخه، ومعنى بطلان البيع أن فيه ظلمًا لأحد المتبايعين وحكمه أن لا ينفذ إلا إذا رضي المظلوم، فإذا أراد فسخه جاز له ذلك. مثال ذلك بيع حَمْل الحيوان نُهِيَ عنه لأنه غرر، فإذا اشتريت ما في بطن الفرس باختيارك ورضاك فولدتْه ميتًا، ولم ترجع على البائع بالثمن بل سمحتَ به راضيًا مختارًا، ولو لموافقة العرف، فإن الله تعالى لا يعاتبه على أكله. هذا ما كنت أعتقده في مسائل المعاملات، كما سبق القول في المنار، ولم أكن رأيت فيه قولًا لأحد، وقد رأيت اليوم نحوه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. ولا شك أن من يبيع دَيْنه لا يكون ظالمًا لأحد ولا آكلًا ماله بالباطل الذي ليس له مقابل، وقد يكون تحريم ذلك عليه ظلمًا له لأن الغالب في سبب مثل هذا البيع عَجْز الدائن عن اقتضاء دَيْنه بنفسه أو توقُّفه على نفقة كثيرة وكلاهما ضار به، هذا وإن الدين قد يكون ثمن عروض، والأمر فيه عند الفقهاء لا سيما إذا بيع بالأوراق المالية أهون والله أعلم[1].
[1] المنار ج9 (1906) ص539-540.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 201 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017