• حديث من زار قبر والديه يوم الجمعة

    قد جمعني وجماعة من أكابر علماء الأزهر الشريف مجلس، فسمعت منهم حديثًا لم أسمَعْهُ مِن قَبْلُ، وحيثُ لم أَرَ عليه بلاغة سيد العرب والعجم صلى الله عليه وسلم، ولحضرتكم سَعَة اطلاع على السّنّة الصحيحة، أردْتُ عرْضَه على مسامع سيادتكم، حتى إذا كان صحيحًا أيَّدْتُمُوه ونشرتم ذلك بمناركم المضيء، وإن كان ضعيفًا أو غير حديث أَوْضَحْتُمْ سَبِيلَه ولكم الفضل، والحديث هو: قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَكَأَنَّمَا حَجَّ، ومَنْ زَارَ أَحَدَهُمَا فَقَدْ أَتَى بِعُمْرَة» وإذا صَحَّ هذا، فلا لَوْمَ إذًا على مزاحمة النساء للرجال في زيارة القبور، لأن كلًا يريد أن يحج.
     

    الحديث ظاهِرُ الوَضْعِ، ولم أَرَ مَن خَرَّجَهُ بِهَذَا اللفظِ، وقد عَلِمْت أنّ مِن علامات الحديث الموضوع بناء الثواب الكبير على العمل القليل. وقال في الفوائد المجموعة حديث «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ» في إسنادِهِ وَضَّاعٌ، وله شاهِدٌ في إسنادِه ضَعْفٌ. ورُوِيَ «مَن زار قبر أبيه أو أُمّه أو عَمّته أو خالته أو أحَد أقاربه كُتِبَ له حجّة مبرورة» ولا أَصْلَ له، ا هـ. ولعله يَعْنِي بحديث الشاهد: «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ، أَوْ أَحَدِهِمَا، فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، غُفِرَ لَهُ وَكُتِبَ بَرًّا» لِمَا فيه من الزيارة. عزاه في الجامع الصغير إلى الحكيم الترمذي، عن أبي هريرة وَعلَّمَ عليه بالضعف، وفي إسناده محمد ابن النعمان مجهول، وشيخه يحيى بن العلاء الرازي البجلي متروك، بل قال الإمام أحمد إنه كان يَضَعُ الحديثَ فهو موضوعٌ لا ضعيفٌ. ولا شَكَّ عندي في أنّ كل ما رُوِيَ في هذا المعنى موضوع، اختلقه المختلقون بعد اعتياد الناس زيارةَ قبور الأقربين في أيام الجُمَعِ، ولم يكن ذلك من سُنّة النبي ولا أصحابه في شيء[1].

    [1] المنار ج11 (1908) ص351-352.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 253 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة