• التقليد والمذاهب وجمع المسلمين على الكتاب والسنة

    أرفع سؤالي هذا ولي عظيم الأمل في أني سأحصل على الجواب الشافي الذي يريح ضميري وأغلب المسلمين.

    نرى اختلافًا كثيرًا بين الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم في مسائل عديدة، إلا أنَّا نعتقد فيهم مثابون ومصيبون في ذلك، لما نعلم من أعذارهم في مثل هذا، كبلوغ أحدهم الدليل وعدم بلوغه للآخر أو بلوغه وعدم صحته.

    فهم مثابون ومصيبون من حيث تحريهم الحق، لا من حيث إصابتهم لحقيقة الحكم؛ إذ يستحيل أن يكونوا كلهم مصيبين مع هذا الاختلاف، وإلا فيكون هذا حكمًا صريحًا، على أن في الشرع تناقضًا، وحاشاه من ذلك.

    إذا علمنا أن هذا هو سبب اختلافهم وأقوالهم بين أيدينا فلماذا نختلف نحن أيضًا ويتبع كل فريق منا مذهبًا؟ وهل يتعين على المسلمين في هذه الحالة أن يستخلصوا الأدلة الصحيحة الثابتة ويتركوا ما عداها وقد علموا عذر الأئمة في ذلك؟ وإلا فإن المقلد لا يسلم من أن يكون متبعًا إمامه فيما أخطأ فيه أو على الأقل فيما كان منسوخًا أو مرجوحًا.

    وهل يصح أن يلتمس له عذرًا من قلده مع خلوه عنه؟ وهل الخطاب بالكتاب والسنة عام لكل الناس أو مختص بالأئمة الأربعة فقط؟ وإذا كان الخطاب عامًّا فما عذر من عدل عنهما إلى سواهما؟ وإن قيل إن الاستدلال بالكتاب والسنة لا يتأتى إلا للعلماء وهم الأقلون، فهل يتحتم على هؤلاء العلماء إرشاد العامة إلى السبيل القيم مبينة لهم الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله تاركين هذه الاختلافات القديمة التي لا تخلو من ضر وقد أصبح ذلك ميسورًا؟ رجائي الإجابة على هذه، على صفحات مناركم الأعز، مبينين السبيل الحق في ذلك، أثابكم الله وأداكم نورًا يستضاء به، تفضلوا بقبول احتراماتي.[1]

    قد سبق للمنار بيان هذه المسائل كلها مرارًا، وأول ما كتبناه فيها محاورات المصلح والمقلد التي نشرت في المجلدين الثالث والرابع، ثم جمعت في كتاب على حدتها.

    ثم وقفنا على مناظرة في بحث الاجتهاد والتقليد للمحقق ابن القيم نشرناها في المجلدين السادس والسابع.

    وتكرر ذلك في التفسير والفتاوى، ومما ورد في باب الفتوى أجوبة المسائل الباريسية[2] التي سئل عنها أحمد باشا زكي في باريس فأرسلها إلينا.

    وقد طبعت في ذيل كتاب محاورات المصلح والمقلد.

    فإذا لم يتيسر للسائل مراجعة هذه المسائل في مواضعها المتفرقة من مجلدات المنار فليكتف بقراءة كتاب محاورات المصلح والمقلد وذيله، ثم إذا بقي عنده أو تجدد لديه بعض الأسئلة في ذلك فليسأل عنها.

    ونزيده هنا فائدة ينبغي أن يفكر فيها بعد أن يقرأ في أواخر ذلك الكتاب ما قرره المصلح في مسألة وحدة الأمة.

    وهي أن هذه الوحدة الدينية قد توجهت إليها نفوس عقلاء المسلمين من جميع المذاهب في جميع الأقطار، وأنه لا يرجى حصولها في وقت قريب إلا إذا أيد الإصلاح الديني دولة أو إمارة إسلامية.

    على أن الأمة لا بد أن تنبذ كل خلاف، وتصير إلى الوحدة ولو بعد جيل أو أجيال.

    [1] المنار ج17 (1914) ص501- 503.
    [2] أنظر أعلاه فتوى رقم 68.

    فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا

    رقم الفتوى: 503 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017

    المفتي: محمد رشيد رضا
    تواصل معنا

التعليقات

فتاوى ذات صلة