رؤية النبي صلى الله عليه وسلم المذنبين يعذبون
سؤال حول رؤية النبي صلى الله عليه وسلم المذنبين يعذبون.
إذا كانت رؤية النبي لبيت المقدس من قَبِيل الكشف الذي يحصل بإدراك النفس للشيء بغير واسطة العينين، أو بجعل الله تعالى مثال ذلك أمام العينين فالظاهر أن رؤية من رآهم يعذّبون بذنوبهم من قبيل رؤية المثال بالأولى؛ لأن بيت المقدس من عالم الشهادة، وعذاب المذنبين بما رُوي في الحديث من عالم الغيب ليس له مكان في الدنيا يشاهد بين مكة وبيت المقدس. وكل ذلك من آيات الله التي أراه إياها في ليلة الإسراء. ومن هذا القبيل رؤيته الجنة والنار، وهو يخطب كما رُوي في الصحيحين. وتعبيره عن ذلك في بعض الروايات بأنهما مثلَتا له في الجدار.
وقد وصفت الجنة في القرآن بقوله تعالى: ﴿كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحديد: 21] فهل تجتمع هي والنار في جدار المسجد؟ وورد أن من أولئك المعذَّبين من تتثاقل رؤوسهم عن أداء الصلوات -والصلاة لم تكن شرعت- فقد تمثل له صلى الله عليه وسلم عذابهم قبل وقوعه بالنسبة إلى أمته.
إن رؤية البشر الروحية لبعض الموجودات الغائبة عن أبصارهم قد تثبت بالتجارب الكثيرة في جميع الأقطار، ومنها ما ثبت للدكتور شبلي شميل من علماء العصر الماديين، وقد ذكرنا في بعض مجلدات المنار خبره مع المريض الذي كان يعالجه، ويسمع منه الأخبار الكثيرة عما يدركه بنفسه غائبًا عن حسه كإخباره عن قريب له في الإسكندرية بأنه سافر منها إلى القاهرة في القطار الذي يتحرك من الإسكندرية في ساعة كذا، ثم إخباره بوصوله إلى محطة القاهرة، وركوبه العربة منها قاصدًا دار المريض، ثم بوصوله إلى باب الدار، وكان الأمر كما قال.
وأذكر مما وقع لي من ذلك في الصغر أنني هربت مرة من الكُتَّاب واختبأت في بستان لجدتي، أم والدتي، وكنا نحن مصطافين في بستان لنا يبعد عن هذا البستان مسافة زُهاء ربع ساعة، وكانت جدتي في بستاننا فتمثلت لي خارجة منه حتى كأني أنظر إليها متتبعًا خطواتها من أول الطريق إلى آخره، حتى أنني ناديتها عندما وصلت إلى مدخل بستانها وقبل أن تدخله ويقع بصري عليها فأجابتني، وكنت أعتقد أنها تحمل إليّ ما يطيب لي أكله فكان كذلك. ومثل هذا كثير. ولكن ما يقع للأنبياء من ذلك فوق ما يقع لبعض البشر، كذلك المريض وبعض الصوفية، وأكمل منه؛ لأنه يشمل عالم الغيب وما لا يصل إليه غيرهم من عالم الشهادة[1].
[1] المنار ج19 (1916) ص280- 281.
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
رقم الفتوى: 519 تاريخ النشر في الموقع : 03/12/2017