• التفاؤل والتشاؤم

    الشقة التي نستأجرها من سنوات حدث لنا فيها كثيرٌ من الأشياء التي تدعو للتفاؤل والبُشرى والخير، كما أنه في الوقت ذاته حدثت أشياء لا تخلو من الأحزان. فهل لهذا الموضوع أصلٌ في الشريعة؟ وما حكم الركون إلى ذلك؟

    التشاؤم ممنوع، والتفاؤل حسن، والتفاؤل بسعادة البيت أو شقائه له أصلٌ في الشريعة: حيث دلَّت عليه أحاديث كثيرة، عامَّة وخاصَّة، كحديث نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا: الْجَارُ الصَّالِحُ، وَالْمَنْزِلُ الْوَاسِعُ، وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ». كما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 166)، وصححه، ووافقه الذهبي.

    وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ». كما أخرجه البخاري رحمه الله تعالى. وفي روايةٍ عنده: «إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ».

    وقد قال أهلُ العلم: "إنَّ من شؤم الدار ضيق مرافقها، وسُوء جيرانها، ونحو ذلك مما يُرهق سكانها". كما في "فتح الباري" (9/ 137، 138).

    وقال الإمام النووي في "شرح مسلم" (7/ 481) عند شرحه لهذا الحديث: "اختلف العلماء في هذا الحديث: فقال مالك وطائفة: هو على ظاهره، وإن الدار قد يجعل الله تعالى سكناها سببًا للضرر أو الهلاك، وكذا اتِّخاذ المرأة المُعينة، أو الفرس، أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى، ومعناه: قد يحصل الشؤم في هذه الثلاثة، كما صرح به في رواية: «إن يكن الشؤم في شيءٍ»"، ثم نقل عن الخطابي قوله: "هو في معنى الاستثناء من الطيرة، أي: الطيرة منهي عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس، أو خادم، فليُفارق الجميع بالبيع ونحوه، وطلاق المرأة"، ثم ذكر كلامًا نفيسًا ينبغي أن ينظر.

    فإذا عُلم أن الدار مما جرت عادة الناس بالتفاؤل بها أو ضده، فإن ما تُريده المرأة من الحرص على تغيير الشقة لا يُنكر، إذا كان ذلك مُوافقًا لرغبة الزوج، ولا يُكلِّفه ما لا يُرضيه، وإلا فإن عليها أن تتبع رأي زوجها فيما يُريده، ولا تفرض عليه رأيًا لا يُريده.

    أما سؤالها عن حكم الركون إلى ذلك، فنقول: لا ينبغي الركون إلى ذلك؛ لأن السعادة والشقاء إنما هي بقضاء الله وقدره، وليس للبيت ولا غيره فعل ولا تأثير، إلا أنها -أي الدار- لما كانت أعمَّ الأشياء التي يقتنيها الإنسانُ، وكان في الغالب لا يستغني عنها؛ أُضيف اليُمْن والشُّؤْم إليها إضافة مكانٍ، وهما صادران عن مشيئة الله تعالى، كما أفاد ذلك العلامةُ الخطابي، ونقله الحافظ في "الفتح" (9/ 138)، والقسطلاني في "إرشاد الساري" (5/ 73).

    والله تعالى أعلم.

    دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

    رقم الفتوى: 2 تاريخ النشر في الموقع : 06/12/2017

    تواصل معنا

التعليقات